Sharh al-Wasiyya al-Kubra by Ibn Taymiyyah - Al-Rajhi
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
ژانرونه
أسباب المروق من الدين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإذا كان على عهد رسول الله ﷺ وخلفائه الراشدين قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة حتى أمر النبي ﷺ بقتالهم، فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضًا من الإسلام والسنة، حتى يدعي السنة من ليس من أهلها بل قد مرق منها، وذلك بأسباب].
يقول المؤلف هنا: إذا كان على عهد النبي ﷺ والخلفاء الراشدين قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، يقصد الخوارج، فقد انتسبوا إلى الإسلام ومرقوا منه حتى أمر النبي ﷺ بقتالهم، فلا يستغرب أن يمرق من الإسلام من انتسب إلى السنة في هذه الأزمنة المتأخرة، فإذا وجد في زمن النبي ﷺ وهو الصدر الأول والعصر الذهبي وأفضل العصور، وفي زمن الصحابة والخلفاء الراشدين من يمرق من الإسلام مع عبادته العظيمة، فإنه من باب أولى أن يوجد من يمرق من الإسلام في الأزمنة المتأخرة، حتى يدعي السنة من ليس من أهلها، وذلك لأسباب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [منها: الغلو الذي ذمه الله تعالى في كتابه حيث قال: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء:١٧١] إلى قوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء:١٧١].
وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة:٧٧]، وقال النبي ﷺ: (إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، وهو حديث صحيح].
ذكر المؤلف ﵀: أنه إذا خرج في زمن النبي ﷺ والصحابة من مرق من الإسلام كالخوارج وهم في العصر الذهبي فمن باب أولى أن يخرج في هذه العصور المتأخرة بعض الناس، وذلك لأسباب: أولها: الغلو في الدين، وقد ذمه الله بقوله: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [النساء:١٧١]، والغلو: هو الزيادة، فالنصارى غلوا وزادوا في عيسى حتى جعلوه إلهًا، فالغلو في الدين قد يخرج الإنسان من الإسلام، واستدل المؤلف بآية النساء: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء:١٧١]، وبآية المائدة: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [المائدة:٧٧].
وقد حذر النبي ﷺ من الغلو بقوله: (إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، وهو حديث صحيح.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنها: التفرق والاختلاف الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز].
السبب الثاني: من أسباب الخروج عن الدين: التفرق والاختلاف، قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:١٠٥]، فنهى ﷾ عن التفرق، وبين أن أهل الكتاب اختلفوا بعد أن جاءهم العلم بغيًا بينهم فقال: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [آل عمران:١٩].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنها: أحاديث تروى عن النبي ﷺ وهي كذب عليه باتفاق أهل المعرفة، يسمعها الجاهل بالحديث فيصدق بها؛ لموافقة ظنه وهواه].
السبب الثالث: من أسباب المروق من الدين: الأحاديث المكذوبة عن النبي ﷺ، فإذا سمعها الجاهل صدق بها، مثل وضع بعض الوثنيين المشركين: (لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه)، وهذا كذب وزور، فإذا سمعه بعض الجهال ظنوا أنه صحيح، فيعبدون الأحجار، ومثال ذلك وضع بعض القبوريين لحديث: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور)، هذا حديث مكذوب وضعه القبوريون حتى يشجعوا الناس ويغروهم بالشرك وعبادة القبور، وهذه أمثلة لما ذكرها المؤلف ﵀ من الأحاديث المكذوبة التي يسمعها الجاهل فيصدق بها فيقع في الشرك.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأضل الضلال اتباع الظن والهوى، كما قال الله تعالى في حق من ذمهم: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [النجم:٢٣]].
السبب الرابع من أسباب المروق من الدين: اتباع الظن والهوى، فيتبع بعضهم ظنه وهواه حتى يقع في الشرك -نعوذ بالله- وقد ذمهم الله جل وعلا.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال في حق نبيه ﷺ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:١ - ٤]، فنزهه عن الضلال والغواية اللذين هما الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتبع هواه، وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه، فوصفه بالعلم، ونزهه عن الهوى].
نزه الله تعالى نبيه عن داءين مهلكين فقال: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ [النجم:١]، وهذا قسم من الله، ولله ﷾ أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، فأقسم بالنجم والليل والضحى والشمس، وأما المخلوق فليس له أن يقسم إلا بالله أو بأسمائه وصفاته، ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾ [النجم:١ - ٢] أي: محمد، ﴿وَمَا غَوَى﴾ [النجم:٢] أي: ليس ضالًا ولا غاويًا؛ لأن الضال: هو الذي يعمل بلا علم كالنصارى وأشباههم، والغاوي: هو الذي يعلم ولا يعمل، فالله تعالى نزه نبيه عن الضلال وعن الغواية.
6 / 8