شرح الواسطية - يوسف الغفيص
شرح الواسطية - يوسف الغفيص
ژانرونه
فساد التأويل عقلًا
وهو فاسد من جهة العقل من أوجه؛ من أخصها: أن أصحابه قالوا: إن التأويل هو صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز لقرينة.
فنقول لهم: النص بذاته هل يفيد الحق، أم أنه يفيد الباطل، أم أنه لا يفيد هذا ولا هذا؟
فإن قالوا: إن النص بذاته يفيد الحق الذي يزعمونه هم حقًا، قلنا: إذًا لا نحتاج إلى شيء يقال له: صرف ودليل وقرينة.
وإن قالوا: إنه لا يفيد حقًا ولا باطلًا.
قيل: هذا ممتنع؛ لأن القرآن قد نزل القوم يعرفونه وهم عرب، فلا بد أن يفهموا عنه معنى؛ إما أن يكون هذا المعنى حقًا وإما أن يكون باطلًا.
أما كون الآية لا يفهم منها لا الحق ولا الباطل، فهذا ممتنع.
إذًا: النص بذاته قبل مسألة القرينة والصارف وغير ذلك إما أن يفهم عنه حق وإما أن يفهم عنه الباطل، فإن فهم عنه الحق فإنه لا يحتاج إلى تأويل، ونبقى على طريقة أهل السنة.
بقي عند القوم أن يقولوا: إن النص بذاته من حيث هو لا يفهم عنه إلا الباطل الذي لا يليق بالله، وهو النقص، وتنقيص الباري كفر به، فاستقر اللازم العقلي على أن النصوص عند القوم لا يفهم منها إلا الباطل.
وكون نصوص القرآن المقدس الذي هو كلام الله لا يفهم منه إلا الباطل ممتنع عقلًا، فلنا أن نقف على هذا الجواب، ونقول: إنه يمتنع عقلًا أن تقول: إني أومن بهذا القرآن، وأنه من عند الله، وأنه محفوظ من الغلط، ثم تأتي وتقول: إنه لا يفهم عنه إلا الباطل؛ فهذا تناقض في العقل.
ولكنا نزيد التقرير العقلي إضافة ونقول: وإذا كان النص لا يفهم عنه إلا باطلًا؛ فإن الحق إذًا تحصَّل بالدليل الصارف، فقد صار الدليل الذي يسمونه قرينة ليس مجرد قرينة أو صارف، وإنما هو محصل تام للحق.
إذًا يكون النص ليس له مورد في الحق لا باعتبار ذاته ولا باعتبار تأثير الدليل الصارف عنه؛ بمعنى: أن القوم لو قالوا: إن النص بذاته لا يفهم عنه إلا باطل، ولكنا نفهم الحق عن النص إذا قارنه الدليل، نقول: الجواب العقلي هنا أن الحق الذي زعمتم عرف من جهة الصارف وحده؛ فإذًا ما كان ينبغي لكم أن تطيلوا هذه المسألة؛ وتقولوا: إننا فهمنا من النص كذا، فمثلًا: قول الله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر:٢٢] إذا صرف بقولكم: جاء ملك من الملائكة، لم يكن له أثر على تقريركم للتوحيد إيجابًا، وكان مجرد فعل من أفعال المخلوقين كسائر أفعالهم، وهم يستدلون بقيام الناس وقعودهم على نفي الصفات من هذا الوجه؛ فيكون قولهم في مثل قوله: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر:٢٢] على هذه الطريقة.
4 / 6