99

============================================================

المرصد الثالث - المقصد الثاني: العلم الحادث ينقسم إلى ضروري ومكتب الإحساس (والوجدان) وسائر ما يتوقف عليه من التواتر والتجربة، وتوجه العقل فلا يكون العلم الضروري لازما لنفس المخلوق، لا دائما ولا بعد حصوله، (ولا يرد) على تعريفه ما ورد عليه (إذ عبارته مشعرة بالقدرة) أى باعتبار مفهوم القدرة في التعريف منفية، فإنك إذا قلت فلان يجد إلى كذا سبيلا، يفهم منه أنه يقدر عليه، وإذا قلت: لا يجد إليه سبيلا فهم منه أنه لا يقدر عليه، فمراد القاضي أن الانفكاك عن العلم الضروري لبس مقدورا للمخلوق، وما ذكرتم من زواله بأضداده وفقده قبل ما يقتضيه لا ينافي مراده، إذ ليس شيء منهما انفكاكا مقدورا، بل ليس بمتقدور فإن قلت: الانفكاك مقدورا كان أو غير مقدور، ينافي اللزوم المذ كور في التعريف، فالسؤال باق بحاله، قلت: لعله أراد باللزوم الثبوت مطلقا، ثم قيده بكون الانفكاك عنه غير مقدور، أو أراد الانفكاك عنه مطلقا، لأنه قد انفك في بعض الأوقات، فلا يرد أنه في وقت الفقدان ليس بعلم ادت، فهو خارج عن المقسم.

قوله: (فلا يكون العلم الضروري لازما إلخ) الظاهر أن يقول : فلا يكون العلم الضروري مما لا يجد المخلوق إلي الاتفكاك عنه سبيلا، لا دائما ولا بعد حصولة، لأن منشا الاعتراض ليس أخذ اللزوم في التعريف، بل عدم وجدان الانفكاك إلا أنه تسامح فوضع ما هو لازم عدم الوجدان مقامه، اعتمادا على ظهور المقصود، وفي تقديم قوله لا دائما ولا بعد حصوله إشارة إلى ما قلنا من أن اللائق تقديم قوله، وإنه قد يفقد على قوله جواز زواله.

قوله: (فهم منه أنه لا يقدر عليه) مع عدم حصوله وها هنا كذلك لأن الانفكاك غير حاصل في وقت حصول العلم الضرورى.

قوله: (فإن قلت إلخ) يعني النقض المذكور وإن اندفع بالنظر إلى قوله لا يجد إلخ لكنه باق بالنظر إلى قوله: يلزم، ثم لا يخفى عليك أن تقرير الإيراد بالنظر إلى قوله لا يجد إلى الانفكاك سبيلا، يستلزم استدراك لفظ الجواز في قوله جواز زواله، كما يشير إليه قول الشارح، وما ذكرتم من زواله بالأضداد فالأولى أن تقرير الايراد بالنظر إلى قيد اللزوم المذكور في التعريف، فإن اللزوم ينافي جواز الزوال، وإنه قد يفقد لفقدان القتضي، وتقرير الجواب بأن القدرة معتبرة في التعريف، فالمراد باللزوم امتناع الانفكاك المقدور وحينثذ لا يكون الإيراد واحدا فتدبر.

قوله: (فهم مثه أنه لا يقدر عليه فمراد القاضي إلخ) فيه بحث لأنا سلمنا أن هذا الكلام يفيد في العرف نفي القدرة، لكن مع عدم الحصول، فإذا قيل: فلان لا يجد سبيلا إلى كذا يفهم نه آن غير حاصل له وغير قادر على تصيله، فتجويز صدق التعريف عند حصول أصل الانفكاك مع انفاء القدرة إخراج له عن المتبادر: قوله: (قلت لعله أراد باللزوم الثبوت مطلقا) الحق الصريح هو الجواب الثاني، لأن المفعول المطلق مبين للمراد من عامله، وأما إرادة الثبوت المطلق من اللزوم، فمن قبيل المجاز الخفي قرينته، والأولى أن يجتتب في التعريف عن مثله.

مخ ۹۹