141

============================================================

المرصد الرابع- في إثبات العلوم الضرورية ليس معدوما مطلقا، بل هر شيء يتراءى للبصر بسبب ترجرج الشعاع البصرى المنعكس عن أرض سبخة كما ينعكس من الماء، فيحسب لذلك ماء (وما يريه صاحب خفة اليد والشعبذة) مما لا وجود له في الخارج أصلا، وسببه عدم تمييز النفس بين الشيء وبين ما يشبهه، وإما بسبب مرعة الحركة من الشيء إلى شبهه، وإما بسبب إقامة البدل مقام المبدل منه بسرعة على وجه لا يقف عليه إلا من يعرف تلك الأعمال (وكالخط لنزول القطرة) فإن القطرة إذ نزلت سريعا يرى هناك خط قوله: (يشراعى للبصر بسبب ترجرج الخ) الترجرج بالراءين المهملتين والجيمين الاضطراب والحركة، وتحقيقه أن الخطوط الشعاعية لما وصلت إلى سطوح الأجزاء الصقيلة التي في الأرض السبخة، انعكست مترجرجة لأن الشعاع المنعكس يكون مترجرجا كشعاع الشمس المنعكس من الماء على الجدار، ولما كان زوايا الشعاع صغيرة متلاصقة بالأرض لكون وترها بقدر قامة الرائي، تكون زوايا الانعكاس أيضا، كذلك لوجوب التساوى بين زوايتي الشعاع والانعكاس، والشعاع المترجرج الملاصق بالأرض يرى كالماء الجاري على الأرض لمشابهته له في اللطافة والسيلان.

قوله: (والشعبذة) الشعبدة والشعوذة خفة في اليد بمعنى واحد كالسحر يرى الشيء بغير ما عليه كذا في القاموس، وفي شمس العلوم قال الخليل: الشعوذة ليست من كلام أهل البادية: قوله: (مما لا وجود له في الخارج أصلا) لا ذاتا ولا مأخذا، ولذا يتعجب الناظرون منه لظهوره عما ينتظرونه، والمراد أنه لا وجود له في المكان الذي رثي فيه لا أنه لا وجود له مطلقا، فلا يرد أنه إذا كان سببه عدم التمييز بين الشيء، وما يشبهه بسبب سرعة الحركة كان كل منهما موجودا، وتحقيقه ما ذكره الإمام في التفسير الكبير أن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء، ويشغل اذهان الناظرين به ويأخذ عيوتهم إليه، حتى إذا استغرقهم الشغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة فبقي هذا العمل خفيا لتعاون الشيئين اشتغالهم بالأمر الأول، وسرعة الإتيان بهذا العمل الثاني، وحينثذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيعجبون منه، ولر أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله، فهذا هو المراد من قولهم أن المشعيذ يأخذ بالعيون لأنه بالحقيقة يأخذ العيون إلى غير الجهة التي يحتال، وكلما كان أخذه العيون والخواطر وجذبه لها إلى ما سوى مقصوده اقوى كان احذق في عمله انتهى، وبهذا ظهر أن بيان الشارح للسبب قاصر فإنه إنما يجرى في صورة يكون الانتقال إلى المشابه دون المخالف : قوله: (وأما بسبب الخ) الفرق بين الصورتين آن في الأولى يرى ما يرى في مكان غير الأول، وفي الثانية يرى في المكان الأول .

مخ ۱۴۱