199

ما جاء في طلب الماء للوضوء قوله: «حان وقت الصلاة»: أي حضر وقتها، وهي صلاة العصر كما صرحت به رواية الصحيحين، وفي عزوة تبوك كما جاء في رواية ابن شاهين عن أنس أيضا ولفظه: قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال المسلمون: يا رسول الله عطشت دوابنا وإبلنا، فقال: هل من فضلة ماء، فجاء رجل في شن بشيء، فقال: هاتوا صفحة، فصب الماء ثم وضع راحته في الماء، قال: فرأينا تخلل عيون بين أصابعه، قال: فسقينا إبلنا ودوابنا وتزودنا، فقال: اكتفيتم، فقالوا: نعم اكتفينا يا نبئ الله، فرفع يده فارتفع الماء"، ثم ذكر مواضع متعددة وقع فيها نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيحين عن أنس أيضا قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع يده في ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضؤوا منه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم، وفي لفظ البخاري: "كانوا ثمانين رجلا"، وفي لفظ: "فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم، قال فقلنا لأنس: كم كنتم؟ قال كنا ثلاث مائة،<1/184> رجل، وفي البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: "عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالكم؟ قالوا: يارسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، قال: فوضع النبيء صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لوكنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة" قال القرطبي: قصة نبع الماء من بين أصابعه قد تكررت منه صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواثر المعنوي، قال: فلم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبيئنا صلى الله عليه وسلم، قال: وقد نقل ابن عبد البر عن المزني أنه قال: نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أبلغ في المعجزات من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصا فتفجرت منه المياه لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلاف خروج الماء من اللحم والدم، وقد وروى حديث نبع الماء جماعة من الصحابة ؛ منهم أنس، وجابر، وابن مسعود، فأما حديث أنس فهو عند المصنف والبخاري ومسلم وابن شاهين كما قدمنا ذكره، وغرض المرتب من إيراده هاهنا الحث على التماس الماء للوضوء والمبالغة في البحث عن ذلك حسب الطاقة كما عليه الأصحاب رحمهم الله، فإن الصحابة لما لم يجدوا الماء لم يعدلوا إلى التيمم من أول مرة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تسبب لوجود الماء وطلب فضلته ليكون أصلا للبركة التي اختصه الله بها، فمجموع ذلك الحال مفسر لقوله تعالى: {فلم تجدوا مآء فتيمموا} [المائدة:43]، فبذل المجهود في الطلب واجب، فإن عدم دخل تحت من لم يجد الماء وصدق عليه أنه غير واجد له، ويستثنى من ذلك الماء الذي تحتاج إليه الأنفس لشرابها وطعامها؛ فإنه قد تعلق به حق النفس فهو في حكم الماء المعدوم؛ لأن حق النفوس أقدم، والمحافظة على بقائها ألزم، ومن ثم جاء التخفيف في العبادات لدفع المشقة والله أعلم.

مخ ۲۱۷