145

Sharh al-Fatwa al-Hamawiyya

شرح الفتوى الحموية

ژانرونه

السمع صفة ذاتية باعتبار الأصل حادثة عند حدوث المسموع
وما أخبر به من استماعه ﷾ لحديث معين كقوله: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ وكقوله جل وعلا في سورة المجادلة: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ) فهذا كما تقدم بيانه وأن السمع حادث عند حدوث المسموع، فالسمع صفة ذاتية باعتبار الأصل، وأما باعتبار أفراد المسموعات وأفراد المبصرات فإن السمع صفة فعلية، وقد قررنا مثل هذا أيضًا في الإرادة والعلم، وفي غير ذلك من الصفات الذاتية، ولا تنافي بين هذا وبين ما أثبته الله لنفسه مطلقًا، فقوله تعالى: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، لا ينافي قوله: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ وقوله: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ) وقوله: ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ وقوله أيضًا: (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) وما إلى ذلك من الآيات، فلا تعارض بين هذه الآيات.
وأما الآيات التي ذكرها بخصوص العلو فالآيات الدالة على علوه ﷾ كثيرة، وقد تقدم ذكر أدلة العلو، وأن العلو دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، وأما الآيات التي شغبوا بها على هذه الصفات كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ فلا تعارض بينها وبين بقية الآيات، فهو جل وعلا إله من في السماوات وإله من في الأرض، وقوله: (في) هنا ليست مكانية، يعني: لا تدل على أن الله ﷾ حالٌّ في الأرض تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، فأنت تقول: زيد أمير البصرة وأمير الكوفة وهو في أحدهما.
ولا يفهم من قولك: إنه أمير للبصرة والكوفة أنه حالٌّ في البصرة وحالٌّ في الكوفة، وهذا أسلوب عربي لا إشكال فيه، ولا يبطل ما ثبت في النصوص من أن الله ﷾ عالٍ على عرشه، بائن من خلقه.

18 / 3