219

Sharh al-Arba'een al-Nawawiya by Atiyya Salim

شرح الأربعين النووية لعطية سالم

ژانرونه

رد أهل العلم من السلف والخلف على من قال بأن الجهاد إنما شرع للدفع
ومن هنا يأتي الناظر الآن في هذا الباب ويجد من يحتج ببعض نصوص القرآن على أن الجهاد إنما هو دفاع عن النفس، ويجد سلف الأمة وأئمة المذاهب الأربعة، وعلماء التفسير، قد أجابوا عن ذلك وبينوه الناس، فيما يلي: الوجه الأول: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة:١٩٠] كلمة (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) إغراء على المقاتلة؛ لأنه لو لم يكن جهادًا في سبيل الله لكان قتالًا للمقاتلين (وَلا تَعْتَدُوا) ليس معناها: لا تعتدوا على الناس المسالمين، ولكن لا تعتدوا في قتالكم بقتل الصغير والمرأة والشيخ الكبير، هذا وجه.
الوجه الثاني: كانت تلك الآية وهي في البقرة سابقة لبراءة في النزول، والقتال في الإسلام أخذ طور التدرج، وقد جاء في السنة وفي السيرة: أن الأنصار رضي الله تعالى عنهم لما أتوا رسول الله ﷺ وبايعوا بيعة العقبة وكانوا سبعين رجلًا قالوا: (يا رسول الله! لو أذنت لنا أن نميل على أهل الموسم بأسيافنا، فقال ﷺ: لا؛ إنا لم نؤمر بقتال بعد) تحمل وصبر ثلاث عشرة سنة في مكة لم يؤمر بقتال، وكلنا يعلم ما لقي رسول الله ﷺ وأصحابه الكرام من أذى المشركين ولم يؤذوا واحدًا، لقد خرج ﷺ إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام، فكيف كان موقفهم منه ﷺ؟ سلطوا عليه السفهاء، ورموه بالحجارة، وأدموا قدميه، ويصبر، وينزل ملك الجبال مع جبريل يقول له جبريل ﵇: (هذا ملك الجبال إن أردت أن يطبق عليهم الأخشبين فعل، يقول: لا، إني لأصبر وأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله) .
ولذا جاء في آخر سورة النحل: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل:١٢٥-١٢٦] .
وقد سلّى ﷾ رسوله ﷺ بقوله: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:١٢٧-١٢٨] لا تكن في ضيق من مكرهم، واصبر وما صبرك إلا بالله وقد صبر، ولذلك لما جاء إلى مكة وأراد أن يدخل مكة منعوه، حتى دخل في جوار رجل مشرك، كل ذلك ويصبر ويحتسب، ولم يعاقب أحدًا، ولم يأت في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي أن رسول الله ﷺ عاقب شخصًا واحدًا في مكة قبل الهجرة، مع شدة إيذائهم له ﵊ ولأصحابه، لذا أذن لأصحابه بالهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم أذن لمن شاء أن يهاجر إلى المدينة، وأخيرًا هاجر ﷺ إلى المدينة، ونعلم كيف كانت ظروف الهجرة.
إذًا: (لم نؤمر بقتال بعد) ثم جاء إلى المدينة، وشُرعت الأحكام، وأُذن في القتال فهل كان دفاعًا عن النفس، أو كان لإعلاء كلمة الله (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) لم يقل: من قاتل ليرد الناس، أو ليحمي البلاد أو الأوطان أو غير ذلك، هنا كذلك: (أمرت أن أقاتل الناس) .
إذًا: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة:١٩٠] في بادئ الأمر حينما كانوا في أوائل أمرهم وقلة عددهم كانوا مسالمين، ثم بعد ذلك لما قويت شوكة المسلمين، وأصبحوا أمة ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة:١٢٣] ثم كان بعد ذلك النهاية، وخاتمة المطاف أن تنزل سورة براءة ويرسل عليًا بها رضي الله تعالى عنه لينبذ العهود إلى المشركين جميعًا، ويجعل لهم المهلة أربعة أشهر ﴿فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة:٢] فإذا انسلخ الأشهر الحرم ماذا تكون النتيجة؟ ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة:٥] قاتلوهم حيث كانوا.
إذًا: كانت النهاية الأمر بالقتال العام، وقاتلوهم حتى يكفوا عنكم! أو حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وكذلك أيضًا: كيف يجيب العلماء على تلك الدعوة الجديدة الزائفة؟ قالوا: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة:١٩٠] قالوا على أهل الكتاب؛ لأن الله قبل منهم الجزية، أما المشركون فإما الإسلام وإما السيف، قالوا: إنها كانت متقدمة فجاءت براءة ونسختها، يقول بعض العلماء في مبحث الناسخ والمنسوخ: كل آية فيها موادعة فقد نسختها آية السيف.

25 / 6