159

Sharh al-'Aqidah al-Tahawiyyah - Nasir al-'Aql

شرح العقيدة الطحاوية - ناصر العقل

ژانرونه

بطلان اعتماد نفي حلول الحوادث لنفي الصفات الاختيارية
قال رحمه الله تعالى: [وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء إذا شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته؛ فهذا نفي باطل.
وأهل الكلام المذموم يطلقون نفي حلول الحوادث، فيسلم السني للمتكلم ذلك على ظن أنه نفى عنه سبحانه ما لا يليق بجلاله].
المراد السني الجاهل؛ لأن عامة أهل السنة والجماعة الذين هم على الحق والاستقامة لا يخوضون في هذه الأمور، فهم على الفطرة، والله ﷾ سلم أفكارهم وعقولهم من الخوض في هذه الأمور، فلذلك قد يستغفل السني وإن كان مثقفًا وإن كان مفكرًا وإن كان عالمًا إذا لم يكن له إلمام بمثل هذه المسائل، قد يستدرجه المتكلمون بمثل هذه الأمور، فيأتي المتكلم للسني فيقول: الكلام حادث، فيسلم بأنه حادث، ثم يقول: الله ﷾ منزه عن الحوادث.
فيقول: نعم، الله منزه عن الحوادث، فيقول: إذًا: الله ليس بمتكلم.
فقد يجر السني إلى هذه الأمور دون أن يشعر، كما قالت المعتزلة وغيرهم في مسألة الرؤية، حيث قالوا: لا ترى الشيء إلا وهو أمامك، فقال لهم بعض الجهلة: نعم.
فقالوا: ولا ترى الشيء إلا وله صورة ولون وشكل، فينطبع في ذهنك عنه صورة ولون وشكل.
فقال لهم بعض الجهلة: نعم.
فقالوا: إذًا: فإذا قلنا: إن الله تعالى يرى فهذا يعني أن له لونًا وصورة وشكلًا، فهو -إذًا- لا يرى.
فرتبوا مقدمات فاسدة وبنوا عليها؛ لأنهم قاسوا الله على الخلق، صحيح أنهم فروا من التشبيه، ولكنهم فروا منه حينما تصوروه، فتصوروه أولًا ثم أرادوا أن يفروا منه، فهم كالإنسان الذي وقع في الشراك ثم أراد أن يخرج، مع أن الأصل أن الله ليس كمثله شيء.
فإذا قال لك قائل: لا نرى الشيء إلا وهو أمامنا فتنطبع في أذهاننا منه صورة، فقل له: هذا في حق المخلوقات، أما الله ﷾ فلا؛ إذ ليس هو كالخلق.
وإذا قال: لا يستوي الشيء على الشيء إلا وهو معتمد عليه، فقل له: هذا بالنسبة للمخلوق، أما بالنسبة للخالق فلا، فالله مستو على عرشه على ما يليق بجلاله من غير حاجة إلى العرش، لأنه قد يقول لك قائل من الأشاعرة وغيرهم الذين يؤولون الاستواء: إذا استوى المخلوق على شيء فهو معتمد عليه محتاج إليه، فهل تسلم له على الإطلاق؟! والجواب أنه بالنسبة للمخلوق قد يرد هذا، لكن الخالق ﷾ ليس كمثله شيء تعالى الله عما يتوهمون.
إذًا: هم فروا من التشبيه حينما تصوروه، وأهل السنة والجماعة لم يتصوروا التشبيه أصلًا، بل أخذوا بالقاعدة كما ورد في الآية، إذ فيها أولًا: أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وثانيًا: أنه هو السميع البصير.
فهذه قاعدة الاعتقاد؛ لأن اعتقاد الكمال لله ﷾ مفطورة عليه الخلائق، فلا يمكن أن يتصور أن عاقلًا من العقلاء يظن أن الله سبحانه الخالق لهذه المخلوقات مثلها؛ لأنه لا بد من أن يكون ﷾ أعظم وأجل وأكمل؛ لأننا نرى في المخلوقات كل معاني النقص، فإذا كان كذلك فإن تقرير النفي -أي: نفي المشابهة- لا بد من أن يكون أصلًا متأصلًا في ذهن كل شخص.

14 / 7