197

Sharh al-Aqeedah al-Waasitiyyah by al-Ghunayman

شرح العقيدة الواسطية للغنيمان

ژانرونه

شرح حديث: (إنكم سترون ربكم)
قوله: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، القمر: يسمى في اللغة قمرًا بعد ثلاث ليال إلى آخر الشهر، والبدر هو: التمام إذا امتلأ نورًا، وذلك ليلة أربعة عشر، وسمي بدرًا لأنه يبادر طلوعه غروب الشمس، وغروبه طلوع الشمس؛ ولأنها تتم مقابلته للشمس فيمتلئ نورًا، وأي شيء أوضح من هذا؟ وقد جاء أيضًا التشبيه بالشمس: (كما ترون الشمس ضحوةً، ليس بينكم وبينها قتر ولا سحاب)، ثم إن هذه الكاف هي كاف التشبيه: (كما ترون) والتشبيه للرؤية في الوضوح والجلاء وسهولة وصول كل أحد إليها، يعني: أنكم ترونه بارزًا جليًا واضحًا، وكل أحد يراه مخليًا به كما يرى هذا الشيء الذي قاله الرسول ﷺ، وقد جاء في حديث أبي رزين ما يوافق هذا، بل هو أصرح، قال الرسول ﷺ: (إنكم تلقون ربكم فيحاسبكم، فقال له: كيف نلقاه ونحن كثيرون، وهو واحد؟! قال: ألا أخبرك بآية ذلك؟ قال: بلى، قال: هذا القمر أليس كل واحد منكم يراه مخليًا به؟ قال: بلى، قال: إنه مخلوق صغير من آيات الله)، فالله أكبر وأعظم، فهذا التشبيه تشبيه الرؤية بالرؤية، والجامع بينهما الوضوح والجلاء والبروز، ولهذا جاء في حديث جرير وحديث جابر: (إنكم ترون ربكم عيانًا)، أي: معاينة، وقوله: (كما ترون القمر) تأكيد بعد تأكيد، والتأكيدات كثيرة في هذا الحديث، وهذا كله ينفي كل توهم أن يكون مجازًا أو يكون شيئًا آخر، فجاءت هذه التأكيدات لتبطل كل احتمال.
وقوله: (لا تضامّون في رؤيته)، هكذا جاء بضم التاء وتخفيف الميم، ويكون ذلك من الضيم، وهو: الظلم، يعني: لا يلحقكم في رؤيته ضيم، أي: أنكم تتمكنون من الرؤية تمكنًا تامًا ليس فيه أي نقص، وجاء أيضًا: تضامّون بتشديد الميم، يعني: لا ينضم بعضكم إلى بعض عند الرؤية، مثل إذا كان هناك الشيء الخفي، فإن العادة أن الناس يساعد بعضهم بعضًا على رؤيته، فإنه رؤية الهلال، فكل واحد يقرب إلى الثاني حتى يساعده على رؤيته، وأما الله جل وعلا فلا يحتاج في رؤيته إلى ذلك، والله جل وعلا أكبر وأعظم من كل شيء، وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري أنه قال: (قام فينا رسول الله ﷺ بخمس كلمات، فقال: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، وسبحات وجهه أي: بهاؤه وجماله ونوره، ومعلوم أنه لا يحجب بصر الله شيء أبدًا، فهو بصير بكل شيء، فلولا الحجاب لاحترق كل شيء بنوره جل وعلا، ولكن في الآخرة المؤمنون قد كمل إيمانهم؛ ولذا أعطوا الكمال الذي ليس فوقه شيء للمخلوق؛ فلهذا صح أن يروا ربهم جل وعلا، ويدل على ذلك أن الرؤية لا تمكن في الدنيا، كما جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم في قصة الدجال: (واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت)، وفي قصة موسى ﵇: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف:١٤٣] يعني: في هذه الدنيا، فجعل مثالًا لذلك أن الجبل إذا ثبت للرؤية فإنه يمكن ثبوتك، فلما تجلى ربه للجبل تدكدك الجبل، عند ذلك (خر موسى صعقًا) فلما أفاق قال: ﴿سبْحَانَكَ تبْت إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّل الْمؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:١٤٣] .

12 / 4