قال المفسر: في هذا الفصل تقدمة معرفة وكانت همة أبقراط فيه وضع علامات النوم. فينبغي إذ ذكر النوم أن نطلب معرفته بعينه ما هو وكيف يكون فنقول كما قلنا فيما سلف من تفسيرنا إنه لا بد لكل عمل من أربعة أشياء منها صانع ونقل وأداة وتمام عمل وإن النوم كذلك يكون وإن صانعه الطبيعة ونقله رطوبة الغريزة وأداته حرارة العريزة B وتمام عمله ملء ما نقص من الرطوبة في اليقظة (224) بالتفريح. وتفسير ذلك أن الطبيعة إذا تأهبت لعمل النوم ضمت أداتها إليها في عمق الجسد وهي حرارة الغريزة، فإذا أذابت تلك الحرارة رطوبة (225) الغريزة استرخى الجسد وضعفت قوى النفس وجاء النوم. وينبغي أنم نعرف أن رطوبة الغريزة تتفرق عند اليقظة وتنتقص (226) بالحركة لأن الحركة تفرج وتيبس. وإذا جاء النوم كان تمام عمله ملء ما نقص من الرطوبة فتمت عند ذلك الأشياء الأربعة التي ذكرنا من الصانع والنقل والأداة وتمام العمل في النوم، لأن النوم والسكون يرطبان ويسكنان مثل ما تفرج (227) اليقظة [P46] والحركة وتيبسان وينفذ أفعالها الناشفة والماسكة والمغيرة والمبرزة ولذلك يكون الطبخ والنضج والتفريج في النوم أقوى وتضعف عند (228) ذلك قوى النفس الخمس من (229) البصر والسمع والشم والمذاق والمجسة فتسكن ولا تنفذ لها أفعال حتى تأتي اليقظة، وأن (230) قوى الطبيعة الأربع تضعف في اليقظة لظهور حرارة الغريزة في ظاهر الجسد وتقوى قوى النفس الخمس وينفذ فعالها، وينبغي كما عرفنا خير النوم أن (231) نعرف أن الأمراض كلها العامة منها في جميع الجسد والخاصة في بعض الجسد أربع درجات مبتدأ وصعود ومنتهى ورجعة وأن مبتدأ المرض العام في الجسد كله انكسار التمشية والنضج وصعوده إلى أن تبتدئ (232) التمشية والطبخ فعلان ومنتهاه تمام النضج بالتمشية ورجعته تفريج A الكيموس الغالب الذي كان سبب انكسار التمشية والطبخ من قبله وأن (233) انتداء المرض في الناحية من الجسد من يدي ورود حرارة الغريزة في داخل الجسد وبرودة الأطراف وصعوده ما دامت تلك (234) الحرارة تزيد وتبقى الثقل ومنتهاه إذا سهل مزاج الثقل والحرارة ورجعته إذا تفرجت الحرارة من داخل وظهرت في الأطراف، فمن أجل المرض الذي يكون في طائفة نمن الجسد وضع أبقراط هذا الفصل. فإن كان في يدي ذلك المرض نوم فلا عجب أن ينشئه [P47] أحدهما بالآخر لأن ابتداء المرض وابتداء النوم وورود حرارة الغريزة في عمق الجسد. فإن كان النوم في صعود المرض أو منتهاه عند اجتهاد الحرارة على الخروج في ظاهر الجسد فذلك دليل على أحد أمرين: إما صحة من قوة جاهدت أسباب المرض وأرادت (235) إنضاجها بالنوم لأن النضج في النوم يكون على ما وصفنا؛ وإما ضعفا من القوة هدمها شدة المرض. فإن كان ذلك النوم من قبل صحة القوة يتبين ذلك مما يتبع النوم من الخفة، وإن كان النوم من قبل ضعف القوة يتبين ذلك مما يتبع النوم عند اليقظة من العسرة والوجع. فلذلك قال أبقراط «في كل مرض يأتي فيه النوم بوجع فذلك مميت، فإن جاء بمنفعة فليس بمميت» ليخبرنا أنه إذا كان نوم المريض من قبل صحة القوة كما وصفنا فخفف أسباب مرضه وشدته حتى تظهر تلك الخفة عند اليقظة فذلك نوم مخلص. وإن جاء النوم بخلاف الخفة من العسرة والوجع عند B اليقظة فذلك كما قال أبقراط نوم مميت، ونعم ما قال في النوم المخف إنه ليس بمميت. وتفسير ذلك أنا لا نأيس (236) من أن يتبع المكروه خلاص لأن المميت أيضا مكروه والمكروه ليس بمميت. وينبغي أن نتم تفسير بقية هذا الفصل هو قول أبقراط في النوم أيضا في آخر الفصل إذ قال «فإن رد النوم ذهاب العقل فذلك [P48] صالح» وأن (237) نقول إن همة أبقراط في ذلك كله أن يخبرنا متى يكون النوم مخلصا ومتى يكون النوم مهلكا ولذلك ذكر ذهاب العقل لأنه أشد ما يصاب به المريض ذهاب العقل وأكره علاماته ليعلمنا أن ما سوى ذهاب العقل من العلامات المكروهة في المريض المزمنة أيسر منه وأن النوم إذا قوي على رد ذهاب العقل قوي على ما دون ذلك وأنه إن حل وجعا أو فرق ورما أو كسر لحما فهو نوم مخلص.
ii. 3 فصل آخر يذكر (238) النوم والسهر وقدرهما
[aphorism]
قال أبقراط: النوم والسهر كلاهما إن كانا زائدين على القدر فهما شر.
[commentary]
مخ ۲۰