وتستطرد قائلة: «الآن النقطة المحورية في الليبرالية الجديدة السائدة تتمثل في: آلية السوق هي التي توجه قدر ومصير البشر. الاقتصاد؛ بمعنى الشركات العملاقة وحركة الأموال والمضاربات، هو المحدد لقوانين المجتمع وليس العكس.»
وأبرز فلاسفة الفكر الاقتصادي لليبرالية الجديدة وزعيمهم «فريدريك فون هاييك»، ومن تلامذته «ميلتون فريدمان»، صاحب مقولة «المجتمع العالمي قرية». والسيدة الحديدية «مارجريت تاتشر» رئيسة وزراء بريطانيا في السابق، والملقبة باسم السيدة «تينا -
Tina » وهي الأحرف الأولى من مقولتها المشهورة: «لا بديل»
There is no Alternative ؛ أي لا بديل عن الرأسمالية في صيغة الليبرالية الجديدة والسوق الحرة الطليقة، وكأن الليبرالية الجديدة قانون طبيعي أو قوة طبيعة مثل الجاذبية، ولا سبيل أمام البشر للفكاك منها، والتي وصفها «فوكوياما» بعبارة: نهاية التاريخ.
وكان «ريجان» في الولايات المتحدة و«مارجريت تاتشر» في بريطانيا أكبر زعيمين يعملان في تناسق على إنجاز سياسات الليبرالية الجديدة.
وتعتمد هذه السياسات، كما صرحت تاتشر، على «الداروينية الاجتماعية التي ترى الصراع محور ومبرر الوجود بين الأمم والمؤسسات والأفراد، وأن المنافسة تفرق بين الذئاب والخراف ، وبين الرجال والعيال، وبين الصالح والطالح. المنافسة آليتنا لتدبير الموارد الطبيعية أو البشرية أو المالية مع أكبر قدر من الفعالية والكفاءة.»
وتستطرد تاتشر، المتحدثة باسم الليبرالية الجديدة فتقول: «مهمتنا بلوغ المجد في سياق اللامساواة، وأن نرى كيف أن المواهب والقدرات تجد متنفسا وتعبيرا لها من أجل فائدة الجميع. لا نعبأ بالمتخلفين في مارثون المنافسة .. الناس غير متساوين بالطبيعة؛ وهذا خير .. لا فضل للضعفاء ذوي الحظ السيئ في التعليم؛ ومن ثم فإن ما يصيبهم يستحقونه، لأن الخطأ خطؤهم وليس خطأ المجتمع.»
ولنتذكر هذه القيم لليبرالية الجديدة عن اللامساواة وعن المنافسة والفعالية والكفاءة لدى الأفراد .. إلخ. ذلك أن جيدنز حين نعرض لمقولاته نراه يؤكدها ولكن في ثوب لغوي مغاير.
وبعد رونالد ريجان وجورج بوش جاء بيل كلينتون رئيسا للإدارة الأمريكية، وهو الذي قال في خطاب له «الزملاء الأمريكيون، لقد اهتدينا إلى طريق ثالث.» وكان مستشاره هو أنطوني جيدنز. وبعد حزب المحافظين برئاسة مارجريت تاتشر ثم جون ميجور جاء توني بلير رئيسا لوزراء بريطانيا بصحبة معلمه الروحي أنطوني جيدنز. وهكذا وكأن القدر ألقى على أنطوني جيدنز مهمة اكتشاف مخرج في ضوء «لا بديل عن الرأسمالية وصيغة الليبرالية الجديدة وسقوط النظام الحاكم باسم الاشتراكية.» وتهيأت بذلك فرص صنعت من جيدنز نجما ساطعا في سماء الفكر العالمي، دعمته أجهزة الإعلام، بحيث طبقت شهرته الآفاق دون سواه. ويرى البعض أن جيدنز هو الرابع بين مؤسسي علم الاجتماع السياسي بعد ماركس ودور كاييم وفيبر. وأثارت كتبه حوارات ساخنة داخل الغرب ولا تزال. وتباينت الآراء بحدة في تطرفها يمينا ويسارا، كأن فكره مناسبة ليترسخ اليمين واليسار من خلال الحوار.
كان هذا هو السياق الكوكبي الذي انبثق عنه فكر جيدنز. ولكن ماذا عن السياق المحلي البريطاني حتى تبين لنا أبعاد المواجهة وحقيقة الخصوم الذين يتصدى لهم جيدنز حين يدعو إلى التخلي عن اليسار و«عن اليمين»، ثم إلى أي جهة يدفع بالقارئ.
ناپیژندل شوی مخ