58

شیکسپیر ته معرفي

التعريف بشكسبير

ژانرونه

wertham

من نيويورك، وقد عرضت عليه قضية الفتى الإيطالي جينو الذي قتل أمه في السابعة عشرة لأنه أنكر سلوكها بعد موت أبيه، فأخذ في استقصاء أحوال الفتى القاتل منذ خطر له خاطر القتل إلى أن أقدم على تنفيذ جريمته في مخدع أمه، فإذا الفتى الإيطالي نسخة حديثة من هملت دون أن يسمع به أو يطلع على قصته، وإذا هما متماثلان في خواطر التردد التي انتهت بالقتل في قضية جينو ووقفت دونه في مناظر المسرحية؛ لأن الأمير هملت أنف أن يكون شبيها بالطاغية نيرون في فتكه وقسوته، وتشابه جينو وهملت عدا ذلك في عوارض القضية وأوهامها، وأخصها اعتقاد كل منهما أن طيف أبيه يلاحقه ليحضه على الانتقام، وحرص كل منهما على إشهاد أمه على نفسها وتوكيد سيئاتها ونزوات غيها، لتحسها ماثلة أمامها وتسمعها بأذنيها. •••

وعلى هذا المنهج روجت شخوص المسرحيات التي تحسب من الشخصيات المعتلة، وروجعت العقد النفسية ومركبات النقص التي تأتي من صدمات الخيبة وصدمات الغيرة وصدمات التشويه وعيوب الخلقة، وروجعت معها الأقوال وفلتات اللسان التي يفوه بها المصابون بجنون العظمة أو جنون الاضطهاد أو جنون الحسرة والندم ووخز الضمير، فوجد المراجعون من نقاد التحليل النفساني أنهم أمام طبيعة ثانية خلقها الفن على صفحات الورق، ونقلها من طبيعة الله فأحسن نقلها غاية الإحسان.

وكذلك روجعت عوارض الحالات النفسية التي يشتغل بها علماء هذه الدراسات غير حالات الآحاد من الأبطال والبطلات، وكانت البحوث النفسية قد استفاضت حتى شملت «الشخوص الاعتبارية» كما يقال في مجازات القانون، وحتى شملت «الشخوص» الخيالية أو شخوص ما وراء الطبيعة كما يقال في مجازات الشعر والأساطير، وقد خلق شكسبير جماعاته في روايات يوليوس قيصر وكريولينس وماكبث وغيرها من المآسي والملهيات قبل أن يخطر على بال أحد أن شيئا يسمى علم النفس سيهتدي إليه الباحثون، وأنهم سوف يطبقونه على شيء يسمى «نفسية» الجماعات والجماهير في حالات الرضا والغضب، وحالات الاقتناع والاضطراب، فلم يكن صدقه في «وعي» هذه النفسيات المفروضة دون صدقه في وعيه لنفسيات أبطاله من الرجال والنساء والأطفال، ولم يؤخذ عليه خطأ قط في تصويره لحالات «الجماعة» وهي تنتقل من الاقتناع بشيء إلى الاقتناع بضده، ومن الهجوم لسبب تعرفه إلى الهجوم حبا للهجوم في غير اكتراث لسبب أو غاية، ومن التسليم المحكوم بزمام إلى العبث المنطلق من كل زمام، ولم يجد النقاد المعنيون بأطوار الجماعة فرقا بين مراقبة أحوالها في الحياة العامة وبين مراقبة هذه الأحوال في كلماته وفي تضاعيف أقواله وإشاراته أثناء المناظر والأدوار.

ولا يقال عن خلائق الخيال إنها تطابق الواقع أو لا تطابقه، وإنما تصدق أو لا تصدق بمقدار تعبيرها عن خوالج النفس التي توحيها، ومقدار براعتها في الرمز إلى معانيها، وقديما علم الناس أن ما يتخيلونه من الأطياف والغيلان إنما هي أشباح موهومة كأشباح الأحلام التي يعبر بها النائم عن أشواقه وأوهامه ويخلع عليها صورها وأشكالها على عادة الخيال في تمثيل المعاني بالمحسوسات، فإذا قيل عن خليقة من هذه الخلائق الخيالية إنها صادقة فإنما يقال إنها خيال صحيح التعبير ورمز صادق الدلالة، وهذا هو المقصود بتطبيق البحوث النفسية على خلائق الخيال.

يقول أديسون - وهو من كتاب أوائل القرن الثامن عشر في مجلته الإسبكتاتور - «إننا نحس شيئا من الروعة والصدق في كلمات أشباحه وأرواحه وسحرته لا نملك معه إلا أن نحسبها كائنات طبيعية، وليست لدينا كائنات نرجع إليها في تحقيق صورها، ولكننا لا نرى محيصا من الاعتراف بأنها لو وجدت لتكلمت وتصرفت كما مثلها.»

ويقول وليام هازليت من نقاد القرن الماضي: «إن عالم الأرواح مفتوح أمامه كعالم الرجال والنساء، وفي هذا من الصدق والحقيقة ما في ذاك؛ إذ لو كانت هذه الخلائق توجد لأمكن أن تتكلم وتشعر وتعمل على الصورة التي صورها عليها.»

ورأي المحللين النفسانيين يوافق رأي أديسون وهازليت، ولكنهم يقولونه على أسلوبهم فيقولون مثلهم إن خلائق الخيال في شكسبير «طبيعة» ثم يعنون بذلك أنها تعبير صحيح عن أحلام الطبيعة البشرية حين تجيش بالأشواق والمخاوف التي ترسمها بلغة الرموز والأشكال المحسوسة، وأن شكسبير ترك صور الأشباح والأرواح التي تخلفت عن القرون الوسطى ليستبدل بها أشباحا وأرواحا تتقبلها طبيعة الإنسان بعد أن ارتفعت عنها كوابيس الفزع والجهالة من ميراث عصور الظلمات، فهي طبيعية صادقة وإن لم تكن لها أشكال تدركها الحواس؛ لأننا نخلع أشكالا تماثلها على عواطفنا التي نراها في الأحلام، ولو سئل الفنان المصور أن يعرضها لنا بفنه لاختار لها أشكالا على الصورة التي اختارها الفنان الشاعر لإبرازها على المسرح للأنظار والأسماع. •••

رسالة شكسبير إذن هي رسالة الخلق الفني الموكل بالطبيعة الإنسانية يخلقها في صورها الفنية، ويجسم لها ما يجول في سريرتها كأنها تحسه وتدركه على مشهد ومسمع منها، وليس في جعبة النقد النفساني رسالة يطلبها من الشاعر أجل وأندر من هذه الرسالة في آداب الأمم؛ ولهذا يستكثر بعض النقاد أن تصدر من قريحة واعية تقصدها وتشعر بصنيعها، ويخطر لهم أنها عمل من أعمال الغريزة كعمل النحل في هندسة خلاياها وعمل العنكبوت في نسيج بيته وعمل العصفور في بناء عشه، ولا نخالهم صنعوا شيئا ينقل هذه القدرة من القريحة إلى الغريزة؛ لأنها إن كانت غريزة كما يحبون أن يسموها فهي غريزة نادرة جليلة الأثر ممتازة بين الغرائز الفنية من قبيلها، وهذا على كون الغريزة ملكة «مخصصة» تنساق إلى عمل واحد وتعجز عن غيره، فلا تبني العناكب خلية ولا تنسج النحل خيطا ولا يعرف الطائر طريقا غير الطريق التي تهديه إليها غريزته الموروثة، وإنه لمن خوارق الطبائع أن توجد الغريزة التي تحسن إبداع كل صورة من الصور الإنسانية وهي غافلة عما تصنع، ساهية عما تقصد إليه، فإن وجدت هذه الملكة فسيان أن تسمى بالغريزة المطبوعة أو تسمى بالقريحة الفنية، فهذه هي العبقرية نصفها بما نشاء من الصفات ونسميها بما نؤثر من الأسماء، وهذه مزية الخلق الفني التي امتاز بها الشاعر، يطول فيها البحث والنظر كما يطولان في كل شيء يتعلق بخلق الإنسان، أما المزية التي أخرجت للعامل خلائقها الفنية فلا نكران لها ولا جدال فيها. •••

وقد أحاطت هذه الرسالة - رسالة الخلق الفني - بملكات شكسبير، وإن لاح لأول وهلة أنها ملكات مستقلة كملكة البلاغة في جوامع الكلم، وملكة النزاهة في تصوير الشخصيات المتناقضة.

ناپیژندل شوی مخ