99

فضحكت قائلة: حذار، سأبدأ بالزواج حياة جديدة! - يا لك من استغلالية فاتنة؛ ولكني لن أنسى السعادة التي حظيت بها على يديك! - أكرر التهنئة.

وذهبت وهو يتبعها عينين. ثم أجال بصره في البهو؛ الأرض والمقاعد والبار، ثم تنهد بعمق ونظر في الساعة ثم تمتم: رحلة طويلة حقا في أقل من خمس دقائق!

ومضى يذرع البهو، ولكن الانتظار لم يطل، فما لبث أن جاء المدعوون؛ رجلان وامرأتان في الحلقتين الثامنة والسابعة، صفت الهدايا فوق الخوان، تبودلت القبلات، اتخذوا مجالسهم، ومضى الرجل يملأ الكئوس بنفسه. - لم يبق إلا نحن الخمسة. - ليرحم الله الراحلين.

وقالت زوجة الصديق الأول: ثمة تنبيه هام أسوقه حرصا على سهرتنا الغالية. - ألا وهو؟ - منع الكلام في السياسة أو الحرب. - عين الصواب. - إنه يمتص الحيوية، يجعل من السمر حديثا مرهقا، يدفع إلى طريق مسدود، لنرحم أنفسنا هذه الليلة ... - أشك في إمكان تحقيق هذا المطلب البريء، سنتظاهر بالامتثال، وسنتحدث في هذا أو ذاك من الموضوعات، ثم نجد أنفسنا ونحن لا ندري في الجبهة. - وحتى إذا وفقنا إلى اختيار موضوع ما، فلن نلبث أن نجد الكلام لغوا لا معنى له ولا طعم، وإننا في الواقع إنما نهرب من الحديث الوحيد المقضي به علينا، ولن نجد بدا في النهاية من الرجوع إلى الجبهة، وتتشعب الآراء والاحتمالات، وتتطاحن فروض الحرب والسلم، وتمضي الليلة ونحن غائصون في شرك حفرناه بأيدينا.

فقالت المرأة بإصرار: إذن فلأنصب من نفسي ملاكا حارسا للسهر، أطلق صفارة إنذار كلما آنست ميلا نحو الحديث الأبدي. - تجربة لا بأس بها، ولكني أتنبأ بالفشل من قبل أن تبدأ ... - صحتكم. - صحتك. - ولكن ما بال صاحب العيد يبدو شاردا؟ - أنا؟ - أجل .. يوجد شيء في رأسك الكريم.

فضحك قائلا: الحق أني حلمت حلما غريبا. - خير إن شاء الله. - ولكن ماذا أقول؟ - قل ما رأيت، ونحن على تأويل الرؤيا قادرون.

فقال وهو يرمقهم بنظرة غريبة: رأيت أنني قتلتكم جميعا رميا بالرصاص.

ضجوا جميعا بالضحك. - خير ما فعلت؛ فإننا أصبحنا كالخيل القديمة ترمى بالرصاص على سبيل الرأفة. - وكنت أقتل وأنا في غاية من المرح ... - يمكن تفسير الأحلام بأضدادها؛ فمعنى الحلم أن تتمنى لنا طول العمر. - عظيم. - أما إذا اعتمدنا في تفسيرنا على العلم، على فرويد مثلا، فسنكشف عن رغبات جنسية مكبوتة لا يحسن الجهر بها ... - ما كان في الوسع أن أكبتها طيلة ذاك العمر. - صحتك. - صحتكم. - وحتى النساء؟ - حتى النساء! - يخونك العيش والملح. - حتى الخادم العجوز والممرضة! - لم يكن حلما؛ ولكنه كان استمرارا لأحاديث الحرب. - لعله. - ولكن لم تفضلت بقتلنا؟ - لم أعد أذكر، فسرعان ما تنسى تفاصيل الأحلام. - تذكر السبب؛ فإننا نتوقع أن يكون طريفا ... - لا أظن. - لا شك أننا تحديناك بطريقة ما؟ - ربما. - ماذا فعلت بعد أن أجهزت علينا؟ - لا أذكر. - ألم تشعر بالندم؟ - لا أظن. - اسمح لي أن أقول لك ...

ولكن الخادم العجوز دخل ليعلن عن حضور الممرضة وخطيبها. وذهب فجاءت الممرضة يتبعها خطيبها، وتم التعارف على يد الرجل، واتخذ القادمان مجلسيهما متجاورين، والشاب يبتسم ابتسامة ودودة ربما ليخفي كآبة لم ينجح في إخفائها، وقدم لهما الرجل كأسين وهو يقول: صحتكما.

وقال لهما الصديق الأول: نشكركما على حضوركما؛ فإن مجلسنا يحتاج إلى دم جديد.

ناپیژندل شوی مخ