فواصل حديثه، وكأنه لم يسمعه: وكثيرا ما أضيق بالدنيا، بالناس، بالأسرة نفسها؛ فاقتنعت بأن الحال أخطر من أن أسكت عنها. - إذن فالمسألة ليست ... - المسألة خطيرة مائة في المائة، لا أريد أن أفكر، أو أن أشعر، أو أن أتحرك. كل شيء يتمزق ويموت، فخطر لي على سبيل الأمل أنني سأجد لذلك سببا عضويا.
قال الطبيب باسما: ما أجمل أن تحل مشاكلنا الخطيرة بحبة بعد الأكل، أو ملعقة قبل النوم!
مضى به إلى حجرة الكشف، وأخذت عينة من البول، ثم خلع عمر ملابسه، ورقد على السرير الطبي. وتتابعت الأوامر؛ فأبرز لسانه، وفتح بشد الجفنين عينيه، ونقرت الأصابع الرشيقة على مواضع في الصدر والظهر، وضغطت بشدة على أماكن في البطن، واستعملت السماعة ومقياس الضغط. وتنفس بعمق، وسعل، وهتف: «آه!» من الحلق مرة، ومن الأعماق مرة أخرى. وجعل يختلس النظرات إلى وجهه، ولكنه لم يقرأ شيئا. وفرغ الرجل من كشفه فسبقه إلى مكتبه، وما لبث أن لحق به. واطلع الطبيب على نتيجة التحليل، ثم فرك يديه، وابتسم ابتسامة عريضة، وقال: عزيزي المحامي الكبير، لا شيء ألبتة.
تحرك جناحا أنفه الطويل الحاد، وازداد وجهه توردا: ألبتة؟ - ألبتة!
ولكنه سرعان ما قال بحذر: أخشى أن يكون الأمر أخطر مما تتصور!
فقال الدكتور ضاحكا: ليست قضية أهولها لمضاعفة الأجر.
فضحك عمر، وهو يرمقه بأمل. فأكد الآخر قائلا: حسن، إذن فاعلم أنه لا شيء.
فتساءل عمر في قلق: هل يقضى علي بأن أسجن في عيادات الطب النفسي؟ - لا نفسي، ولا دياولو. - حقا؟ - أجل، إنه مرض برجوازي إن جاز لي أن أستعير اصطلاحا حديثا مما يستعمل في جرائدنا، ليس بك من مرض.
ثم بتمهل: ولكني أرى في الأعماق مقدمات لأكثر من مرض، والحق أنك جئت في الوقت المناسب، متى ألح عليك الخمود؟ - منذ شهرين، وربما أكثر قليلا، ولكن الشهر الأخير كان محزنا حقا. - دعني أصف لك حياتك كما أستنبطها من الكشف، أنت رجل ناجح ثري، نسيت المشي أو كدت، تأكل فاخر الطعام، وتشرب الخمور الجيدة، وترهق نفسك بالعمل لحد الإرهاق، ودماغك دائما مشغول بقضايا الناس وأملاكك، وأخذ القلق يساورك على مستقبل عملك، ومصير أموالك.
ضحك عمر بفتور، وقال: صورة صادقة في جملتها، ولكني لم أعد أهتم بشيء. - حسن، لا شيء بك، ولكن العدو رابض على الحدود. - كإسرائيل؟ - وعند الإهمال سيدهمنا الخطر الحقيقي. - دخلنا في الجد! - اعتدل في الطعام ... قلل من الشراب ... التزم برياضة منتظمة كالمشي ... فلن تلقى ما تخشاه.
ناپیژندل شوی مخ