فسأله وهو يحدجه بنظرة مريبة: هل هناك حلم يراودك؟
تردد بعض الوقت، ثم قال بنبرة اعترافية: حدث أن كتبت بثينة شعرا. - بثينة؟! - قرأته ودار بيننا حديث؛ فانبعث في نفسي أشواق غامضة إلى الكتب القديمة التي هجرتها منذ عشرين سنة. - أوه ... كم خطر ذلك ببالي! - صبرك! ... حقا لقد دبت الحركة في الركود الأبدي، ورحت أبحث عن نغمة ضائعة، وتساءلت : ترى هل يمكن أن أبدأ من جديد؟ ... ولكنها كانت مجرد حركة طارئة، ثم ما لبثت أن تجمدت. - لكنك تراجعت بسرعة. - بل عاودت القراءة، وسطرت كلمات، ولكن ذلك كله لم يكن شيئا، وذات ليلة وأنا في السينما رأيت وجها جميلا فدبت الحركة مرة أخرى. - أهي الحركة ما تنشد؟ - حركة ... أو نشوة ... أحيت الكائن دفعة واحدة ... وآمنت ساعتها بأن الحركة أو النشوة هي مطلبي، لا العمل، ولا الأسرة، ولا الثراء ... هي هذه النشوة العجيبة الغامضة ... كأنها النصر الدائم وسط الهزائم المتلاحقة ... وهي التي سحقت الشك، والخمول، والمرارة ...
وجه مصطفى إليه نظرة ثابتة، وهو قابض على ذقنه بيده، وتساءل: ترى أترغب في أن تودع الحب الوداع الأخير؟
فقال مقطبا: أتظنه عرضا من أعراض السن الحرجة؟ ولكن ذلك يعالج ببساطة ويمر بسلام عندما يندفع زوج وقور على غير توقع إلى الملاهي الليلية، أو يتزوج من امرأة جديدة. وقد تراني يوما راكضا وراء امرأة، ولكن سيظل ما يدفعني شيئا أخطر من أعراض السن الحرجة.
ولم يتمالك مصطفى من أن يضحك ضحكة عالية، ثم يسأل: ترى أهي نشوة عجيبة حقا، أم أنها تبرير فلسفي لجريمة الزنا؟ - لا تتهكم بي، فأنت نفسك كنت يوما فريسة لأزمة خطيرة.
ابتسمت أسارير وجهه، ولاحت في عينيه نظرة منداحة في متاهات التذكر، وقال: أجل كنت شارعا في كتابة مسرحية جديدة، وإذا بالفن يتفتت بين يدي نشارة وترابا، ولكني سرعان ما استبدلت به فنا آخر دان له ملايين المواطنين بالسعادة. - أما أنا فأخطأت الطريق، استبدلت بالفن الزائل عملا ينافسه في البلى، فالمحاماة كالفن من أعمال العصور البائدة، وأنا لا أحسن ما أحسنت من فن جديد، وفاتني مثلك أن أتعلم العلم، فكيف السبيل إلى نشوة الخلق المفقودة؟ ... الحياة قصيرة، وأنا لا أنسى الدوار الذي أصابني عندما قال لي الرجل: ألسنا نعيش حياتنا، ونحن نعلم أن الله سيأخذها؟ - هل تزعجك فكرة الموت؟ - كلا، ولكنها تحتم علي أن أذوق كنه الحياة. - كما وجدتها في السينما؟
لم يعلم بجولاتك في ميادين الإسكندرية وطرقاتها، وتشوفك الظامئ إلى الوجوه الواعدة بالنشوة المستعصية، وتسكعك تحت أشجار الشلالات المترنحة باستغاثات العواطف المشبوبة، العملاق المجنون الذي ينقب عن عقله الضائع تحت الأعشاب الندية.
وألمح إلى تلك المغامرات بشيء من الإسهاب، ولكن في إطار من حديث وقور يناسب العجائب الغامضة. - لم أكن في تلك الليالي العجيبة حيوانا تحركه شهوة، ولكنني كنت معذبا ... ويائسا.
7
كلما رأيتك كثيرا ازددت شهوة.
ناپیژندل شوی مخ