الإمامة، وكيف لا يكون كلاما في الإمامة وهو لا يعدو أن يكون كلاما في صفاته، أو في صفة ما يتولاه (1) ويقوم به، لأن من قال من الإمامية: إن الإمام لا يكون إلا معصوما، (2) فاضلا، أعلم الناس إنما خالف خصومه في صفات الإمام، وكذلك إذا قال: إنه حجة في الدين، وحافظ للشرع، ولطف (3) في فعل الواجبات والامتناع من المقبحات، فخلافه إنما هو فيما يتولاه الإمام ويحتاج فيه إليه، فكيف ظن صاحب الكتاب أن الكلام مع من لم يوافقه في صفات الإمام وفيما يتولاه لا يكون كلاما في الإمامة؟ وهذا يؤدي إلى أن الكلام في الإمامة إنما يختص به المعتزلة (4) (4) المعتزلة: طائفة من طوائف المسلمين وهم فرق متعددة أنهاها الشهرستاني في الملل والنحل إلى اثنتي عشرة فرقة وسبب تسميتهم بالمعتزلة أن واصل بن عطاء كان من أصحاب الحسن البصري فبينما هو في حلقة درسه إذ سأل الحسن البصري رجل ما تقول في صاحب الكبيرة؟
فقال الحسن: إن جماعة من المسلمين يعتبرونه مؤمنا ويقولون: لا يضر مع الإيمان سيئة، ولا تنفع مع الكفر حسنة، وجماعة آخرون يعتبرونه كافرا، فقال واصل: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمنا ولا أقول كافرا وإنما هو بمنزلة بين منزلتين. ليس بكافر ولا مؤمن، واعتزل واصل بعد هذه الواقعة مجلس الحسن، واتخذ له مجلسا خاصا جعل يقرر فيه هذا الرأي وتبعه على ذلك جماعة فقال الحسن: اعتزلنا واصل فسموا بالمعتزلة، ولهم أصول خمسة لا يستحق برأيهم أن يوصف بالاعتزال من لم يقل بها التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين.
مخ ۳۳