وهنا ظهرت روكسان على عتبة بابها يتبعها كرستيان وراجنو، فلما رأت الكاهن ذعرت واضطربت، فتقدم نحوها وحياها ومد يده إليها بكتاب. فقالت له: ما هذا؟ قال: كتاب بعثني به إليك السيد الصالح التقي الكونت دي جيش، صهر سيدنا ومولانا صاحب القداسة الكردينال دي ريشلييه، من دير القديس «أتاناس»، ولا بد أن يكون مشتملا على غرض من الأغراض الشريفة المقدسة، أو مكرمة من المكارم العليا، فاقرئيه، فتناولته وقرأت فيه على مصباح راجنو وهو صامتة، هذه الكلمات:
سيدتي
الطبول تدق، وقد أعد الجيش عدته للرحيل، والجميع يظنون أني في مقدمته؛ ولكنني تخلفت وعصيت أمرك؛ لأنني لم أستطع السفر دون أن أتزود منك بذلك الزاد القليل الذي سألتك إياه؛ فاغتفري لي ذنبي، فإنني ما أذنبت إلا في سبيلك، وهأنذا قادم إليك بعد قليل، فمهدي لي سبيل زيارتك، إن ثغرك قد ابتسم لي اليوم ابتساما جميلا، ولا أحب أن أفارقك قبل أن أراه مرة أخرى يبتسم لي تلك الابتسامة البديعة المؤثرة، وقد بعثت إليك بكتابي هذا مع قسيس أبله لا يفهم من شئون الحياة شيئا سوى إقامة الصلوات، وتعزية المحتضرين، ومباركة المتزوجين، فلا يعنيك من أمره شيء.
دي جيش
وهنا برقت عيناها ببارق غريب، والتفتت إلى الكاهن وقالت له: اسمع يا أبت نص الكتاب، فهو بمثابة أمر صادر إليك، وأخذت تقرأ بصوت عال ما لا وجود له إلا في مخيلتها، وتقول:
سيدتي
يجب عليك إطاعة أمر قداسة الكردينال، وهو يأمرك أن تتزوجي الليلة سرا من البارون كرستيان دي نوفييت، وأنا وإن كنت أعلم أنك غير راضية عن هذا الزواج، وأنك لا تحبين هذا الفتى ولا تجدين في نفسك ارتياحا لمعاشرته، فإنني أرى لك أن تخضعي لأمر الكاهن الأعظم وتذعني لرغبته، فالخير كل الخير فيما يراه ويشير به، فاصبري على قضاء الله وقدره، وانتظري حسن المثوبة منه والجزاء الأوفى.
وقد بعثت إليك بكاهن من أفضل الكهان وأتقاهم وأحفظهم للأسرار؛ ليقوم بعقد هذا الزواج السري بينكما في منزلك، فاقرئي عليه كتابي هذا وبلغيه أمري، وكوني على ثقة من إخلاصي لك واحترامي الدائم لمقامك الكريم.
دي جيش
ثم طوت الكتاب وهي تتظاهر بالأسف والحزن ، وتقول: آه! ما أسوأ حظي وأعظم شقائي!
ناپیژندل شوی مخ