و«متأنقا»: ألا يجمل بك يا سيدي أن تضع لأنفك هذا مظلة خاصة به حتى لا يتغير لونه من تأثير حرارة الشمس؟
و«متحذلقا»: إن الحيوان الضخم الذي سماه الفيلسوف أرستوفان «تيتلخر تيفيلو جملوس» هو الحيوان الوحيد، الذي يمكنه أن يحمل في وجهه كمية من اللحم توازن الكمية التي تحملها في وجهك.
و«مازحا»: ما أجمله مشجبا لتعليق القلانس والطيالس!
و«مغاليا»: ليس في استطاعة أي ريح مهما اشتد هبوبها أن تجلب لأنفك الزكام، غير ريح السموم!
و«متهكما»: ما أجمله إعلانا لو وضع على واجهة حانوت من حوانيت الروائح العطرية!
و«متفجعا»: ما البحر الأحمر إلا الدم الذي فصد من أنفك!
ذلك ما كان يجب أن تقوله لي لو كان في رأسك ذرة واحدة من الفطنة والذكاء، على أنك لو استطعت لحال بينك وبين ذلك الخوف والرعب؛ لأنك تعلم أنني إن سمحت لنفسي بالسخرية من نفسي أحيانا، فإنني لا أسمح لأحد بالسخرية مني مطلقا، فلقد جمعت في نفسك بين الغباوة والجهل، والجبن والخور، حتى لأحسب أنك لا تحسن هجاء كلمة في اللغة غير كلمة الحماقة، ولا تحمل في رأسك معنى غير معناها!
فجن الكونت دي جيش غيظا، وقال للفيكونت: من رأيي أن نترك هذا المجنون وشأنه، فإننا ممتحنون الليلة برجل لا بد أن يكون قد أفلت الساعة من يد حارس المارستان. فقال الفيكونت: إن الذي يغيظني ويؤلمني أن تصدر أمثال هذه الكلمات المملوءة كبرا وعظمة من حقير مفلوك لا يملك من متاع الدنيا شيئا، حتى قفازا في يده، ولا يحمل على ثوبه أي علامة من علامات الشرف! فارتعش سيرانو غيظا، ولكنه تجلد واستمسك، وأنشأ يقول بصوت هادئ رزين: نعم أعترف لك يا سيدي بأنني رجل فقير مفلوك، لا أملك من متاع الدنيا شيئا، وأنني لا أحمل على صدري أي هنة من تلك الهنات التي تسمونها شارات الشرف، ولكن ائذن لي أن أقول لك كلمة واحدة، ثم أنت وشأنك بعد ذلك: إنني لا أحفل يا سيدي بالصور والرسوم والأزياء والألوان، ولا يعنيني جمال الصورة وحسنها، ولا برقشة الثياب ونمنمتها، وحسبي من الجمال أنني رجل شريف مستقيم، لا أكذب ولا أتلون، ولا أداهن ولا أتملق، وأن نفسي نقية بيضاء غير ملوثة بأدران الرذائل والمفاسد، فلئن فاتني الوجه الجميل، والثوب المفوف، والوسام اللامع، والجوهر الساطع، فلم يفتني شرف المبدأ، ولا عزة النفس، ولا إباء الضيم، ولا نقاء الضمير.
إن الجبهة العالية يا سيدي لا تحتاج إلى تاج يزينها، وإن الصدر المملوء بالشرف والفضيلة لا يحتاج إلى وسام يتلألأ فوقه، فليفخر الفاخرون بما شاءوا من فضتهم وذهبهم، وألقابهم ومناصبهم، أما أنا فحسبي من الفخر أنني أستطيع أن أمشي بين الناس برأس عال، وجبهة مرتفعة، ونفس مطمئنة، وثوب نقي أبيض، لم تعلق به ذرة من غبار العار، ولم تلوثه شائبة من شوائب السفالة والدناءة، لا أهاب شيئا، ولا أغضي لشيء ولا أخجل من شيء.
نعم، إنني لا أملك قفازا في يدي كما تقول، ولكن أتدري ما السبب في ذلك؟ السبب فيه أنني قطعت جميع قفازاتي على وجوه السفهاء والفضوليين الذين يعترضون طريقي مثلك، عقابا لهم على وقاحتهم وفضولهم، ولم يكن باقيا لي منها حتى ليلة أمس إلا زوج عتيق جدا، احتجت إليه في موقف كموقفي هذا معك، فرميت به وجه أحد السفهاء، فلصق بخده، فتركته وانصرفت.
ناپیژندل شوی مخ