ثم سارا في أنحاء القصر، والمعتمد زائغ البصر ينظر في كل مكان، حتى إذا بلغا، بعد بحث طويل، أحد دهاليز القصر، رأى المعتمد حصيرا مطويا فقال: ابسط يا سيف هذا الحصير. فقال سيف: أيظن الأمير أن مثل الوزير يلتف بحصير ؟! فبسط المعتمد الحصير بنفسه، فإذا ابن عمار فيه وهو عريان وقد غلبه السكر وذهبت بلبه الخمر، فلما أحس البرد أفاق وقام وهو يستر نفسه بفضلة من الحصير، وقد أفحمه البكاء، ففاضت عينا المعتمد، وأمر طائفة من الخدم بحمله إلى سريره، ثم ذهب إليه بعد أن هدأت نفسه، وقال: ما هذا يا ابن عمار؟! وما هذه الفعلة؟! أأصابك جنون؟! - هو جنون أو شبه جنون يا مولاي، إنني كلما أخذت مني الخمر في حضرتك، وأحسست بالنعيم يحيط بي، والنعم التي طوقتني بها، والمنزلة الرفيعة التي بلغتني إياها، والشغف بي الذي لا تستطيع كتمانه - أسمع هاتفا في أذني يقول: يا ابن عمار لا تغتر، إنه سيقتلك ولو بعد حين. فأستعيذ من الشيطان، فيعيد الهاتف الكرة ثانية وثالثة، وقد حصل ذلك يا مولاي في هذه الليلة، فدعاني السكر إلى التجرد من ثياب الإمارة، والنوم إلى الفجر، حتى إذا ظهر أول بصيص منه، ارتديت ما اعتدته من الثياب قبل الاتصال بك، وخرجت مستخفيا حتى آتي البحر، فأركبه وأقصد بر العدوة. فضحك المعتمد وقال: هذه آثار الخمر يا أبا بكر، وكيف أقتلك؟! أرأيت أحدا يقتل نفسه؟! وهل أنت عندي إلا كنفسي؟؟
وفي الصباح، ورد صاعد خادم المعتضد ومعه أمران: الأول: أن ينفي ابن عمار إلى سرقسطة، والثاني: أن يعود المعتمد إلى إشبيلية.
حزن المعتمد أشد الحزن، وودع صاحبه وخليله ابن عمار، والبكاء يغلب عينيه، ثم أمر بالرحيل إلى إشبيلية.
وبعد أن اجتاز حدود المدينة وبعدت عنه مشاهدها، أخذ يقول:
ألا حي أوطاني بشلب أبا بكر
وسلهن هل عهد الوصال كما أدري؟
وسلم على قصر الشراجيب عن فتى
له أبدا شوق إلى ذلك القصر
منازل آساد وبيض نواعم
فناهيك من غيل، وناهيك من خدر
ناپیژندل شوی مخ