84

شاعر اندلسي

شاعر أندلسي وجائزة عالمية

ژانرونه

وهذه الشواهد وغيرها مما لم أقرأه عليكم إنما أسوقها للعبرة النافعة، ولا أعني بها مجرد التسلية والفكاهة.

إننا نعيش بالأمثلة، ولأجل الأمثلة أكتب محاضراتي لأفكر فيها قبل إلقائها، وأجعلها محاضرات بالمعنى الصحيح. فلنعلم أن المعركة في إسبانيا تدور حول أمثال تلك الصغائر، فلا يتغير هنالك شيء ذو بال، وإنما هي صيحات وأراجيف حول إرسال اللحية وحلاقة اللحية، وحول ربط القلادة والاستغناء عنها، وحول النعال الساذجة أو الحذاء الملمع. ويجري مثل هذا - على ما أحسب - في بلاد العالم القديم الأخرى. فهل يا ترى تسري هذه العدوى أيضا إلى بلاد العالم الجديد؟

الشعر والأدب

الشعر المكتوب - فيما لاح ولا يزال يلوح لي - إنما هو نمط من أنماط التعبير، كالموسيقى وما إليها، عن المعاني التي لا تدرك ولا يحيط بها الوصف، وأرجو المعذرة إذا لجأت إلى الكلمات الطنانة فقلت إنه عبارة عما يفوق العبارة ولا تلحق به الأوصاف.

أما الأدب فهو التعبير عن المحسوس وعما يدرك وينال.

ولما كنت ممن يدينون بأن الروح شيء لا يدرك ولا يوصف، فمن البديه إذن أن يكون الشعر فيما أحسب تعبيرا غير محسوس أو محصور، وإن الأدب لا يفرض ذلك على نفسه ولا يحاوله؛ لأن له مجالا غير هذا المجال.

وموضوعات التعبير عما يفوق الوصف هي وحدة الوجود، والصوفية ولا أقصرها على الصوفية الدينية، والحب وأعني به النفاذ إلى أعماق الطبيعة وكشف الحجاب عنها لرؤية ما يرى وما لا يرى، وإلى الازدواج في كل شيء حيث يكون لكل شيء موجود ظله الذي ليس له وجود.

وإن الإنسان لمفطور على الجنوح إلى هذه الأشياء بالشعور والتأمل والطموح، ونتيجة ذلك - صامتة أو مكتوبة - هي العاطفة الشاملة، وندع هنا كلمة الكونية لأنها من ألفاظ المشاع في الآونة الحاضرة.

ويكون الشعر إذن امتزاجا حميما - عاليا عميقا - بيننا وبين أنفسنا ليلتقي فينا الصحيح الذي نحسب أننا نعرفه وندركه، والبعيد الذي نحسب أنه أرفع وأنزه من أن يحده الإدراك؛ ومن ثم يصبح في وقت واحد مزيجا من الغنيمة والفقدان.

هذه حالة موزونة مترددة كالقافية، ومن هنا وجب أن يكون الشعر موزونا مقفى، ولا يكون صورة منظورة؛ لأن الموسيقى والرقص يتطلبان الإيقاع، وتدور فيهما العين إلى أنفسنا لا إلى الأشياء المرئية. ولا يخفى أن الوعي لا يعمل في هذه الحركة المستغرقة، وأن الشعر يجب - من ثم - أن يكون إلهاميا وأن يكون بسيطا؛ لأنه هو موضوع نفسه، ولا حاجة به إلى التزويق واستعارة الزينة، وسواء كتب الشاعر أم لم يكتب فهو في الحالتين راقص مثالي، أو راقص في حالة التجريد، تقتضي المطابقة بينه وبين هذه الحقيقة أن يظل صامتا ولا يكتب، وإنما هي حالة ضعف تدعوه إلى الكتابة التي هي من عمل الأديب.

ناپیژندل شوی مخ