149

Series of Lanterns of Guidance

سلسلة مصابيح الهدى

ژانرونه

خطبة عمر بن عبد العزيز بعد خلافته وهكذا أيها الأحبة! بدأ عمر حياة خطابية فاروقية جديدة، بين أسسها، ووضح معالمها في هذه الخطبة العصماء، فلقد وقف خطيبًا على المنبر في اليوم الثاني وقال بعدما حمد الله ﷿ وأثنى عليه: أيها الناس! ليس بعد نبيكم نبي، وليس بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن الحلال ما أحله الله على لسان رسوله إلى يوم القيامة، والحرام ما حرمه الله على لسان رسوله إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بقاض، وإنما أنا منفذ، ولست بمبتدع، إنما أنا متبع، ولست بخيركم وإنما أنا رجل منكم غير أني أثقلكم حملًا، وغلب عليه البكاء والنحيب! ونظر إلى الناس فقال: وأيم الله إني لأقول هذه المقالة وإني لأعلم أني أكثركم ذنوبًا، فأستغفر الله العظيم وأتوب إليه. ونزل عمر فدخل إلى داره ووضع يديه على خديه وجلس جلسة القرفصاء يبكي، فدخلت عليه زوجته التقية النقية الوفية الصابرة وقالت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين! فقال: يا فاطمة! إني وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، ففكرت في الفقير الجائع، والمسكين الضائع، وفكرت في الأرملة واليتيم المكسور والمسكين وذي العيال الكثير، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، وخشيت يا فاطمة أن يسألني عنهم ربي ﷿ يوم القيامة! فلقد علمت أن خصمي دونهم هو محمد ﷺ، فأخشى أن لا تثبت لي حجة بين يدي الله ﷿، فبكت فاطمة ﵂ وأرضاها، وأجهش عمر بالبكاء. ما هذا؟! في أي عصر يكون عمر؟! في عصر النبوة، كلا، إنه مثل رائد على صفاء عنصر هذه الأمة، وعلى نقاء معدنها، ما الذي تغير؟! تغير كل شيء، وتبدل كل شيء.

13 / 8