Series of Faith and Disbelief - Introduction
سلسلة الإيمان والكفر - المقدم
ژانرونه
لا إله إلا الله أفضل الذكر والدعاء
إن أفضل الذكر على الإطلاق، وأفضل ما ينطق به الإنسان من الأذكار هو أن يقول: لا إله إلا الله، وبقول هذه الكلمة تحقن الدماء، ويعصم المال، ويصبح الإنسان من أهل السعادة بإذن الله.
إن لا إله إلا الله هي أفضل ما يذكر الله ﵎ به، كما قال ﵊: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله).
لقد فزع إليها الولي لما جاءته المحنة، وكذلك العدو لما جاءته المحنة فزع إليها.
أما العدو فهو فرعون لما قرب منه الغرق هرب منه وقال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ﴾ [يونس:٩٠]، ففزع إليها؛ لأنه يعلم أنها منجية، وأما الولي فكما في حق يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء:٨٧ - ٨٨].
ولذلك قيل: أعظم الدعاء هو دعاء القرآن؛ لأنه ليس هناك كلام أفضل من كلام الله، وأعظم ما في القرآن من الدعاء هو الذي تعقبه الإجابة، ولذلك أعقب الله ﷿ دعاء يونس بقوله ﵎: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء:٨٨]، وفرق شديد بين حال يونس ﵇ النبي وهو يفزع إلى كلمة النجاة، وبين حال فرعون العدو المتأله المتكبر حين فزع إلى كلمة النجاة؛ إذ كلاهما فزع إليها عند المحنة، لكن لم تنفع إلا الولي وحرم منها العدو، ومن الفروق بين يونس ﵇ وفرعون: الفرق الأول: أن يونس ﵇ لما قال وهو في ظلمة بطن الحوت وفي ظلمة البحر وفي ظلمة الليل: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:٨٧]، كان يحقق قول النبي ﵊: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فيونس سبقت له المعرفة بالله ﵎، وكان يكثر تسبيح الله وعبادته وتوحيده، فكان ينادي الله كما قال ﷿: ﴿إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ [القلم:٤٨]، ثم قال ﵎: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ [الصافات:١٤٣]، الذين يسبحون الله، ويصلون لله، ويعبدون الله، ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات:١٤٣ - ١٤٤]، لذلك على الإنسان أن يفزع إلى التسبيح إذا وقعت الكربة، وإذا تأزم عليك أي حال من الأحوال فافزع إلى التسبيح أو الصلاة، فقد كان ﷺ إذا حزبه شيء فزع إلى الصلاة، فمن حفظ الله في الخلوات يحفظه الله في الفلوات: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)، وكما جاء في الحديث: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فيونس سبق له المعرفة بالله، فلذلك عرفه الله في الشدة.
أما فرعون فتقدم له سبق الكفر؛ بل كان ينادي كما قال ﷿ عنه: ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات:٢٣ - ٢٤]، وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:٣٨]، فسبق له قبل الغرغرة وقبل نزول الهلاك والغرق أن ادعى الألوهية، ونازع الله ﵎ في كبريائه وتوحيده جل وعلا.
بل كان كما جاء في معنى الحديث: أن فرعون لما أدركه الغرق والهلكة كان يقول: لا إله إلا الله، يقول جبريل مخاطبًا النبي ﷺ: (فلو رأيتني يا محمد وأنا أدس من وحل البحر في فيه مخافة أن تدركه الرحمة)، خشي جبريل أن تنفعه هذه الكلمة في ذلك الوقت، ولشدة عداوة جبريل لهذا المتأله الكذاب كان يأخذ من طين البحر فيدسه في فيه حتى لا يعود إلى قول لا إله إلا الله؛ مخافة أن تدركه الرحمة.
الفرق الثاني: أن يونس ﵇ ذكرها مع الحضور والشهادة؛ فقد كان حاضرًا مع الله ﵎، شاهدًا لقوة الله وبأسه وقدرته على إنجائه، ومحبته لله، فقال: لا إله إلا أنت.
أما عدو الله فرعون فقد قالها في صيغة الغيبة، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ﴾ [يونس:٩٠]، ما قالها في الحضور، وما خاف بها ربه، لكنه قالها على سبيل التقليد لبني إسرائيل في ذلك الوقت: «آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ»، وكأنه أحال العلم بحقيقتها على غيره، لكن هو لا يعرفها ولا يعلم حقيقتها.
الفرق الثالث: أن يونس ﵇ ذكرها على سبيل الاستذلال مع العجز والانكسار: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾ [الأنبياء:٨٧]، ثم قال بعدها: ﴿إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:٨٧]، فجمع بين توحيد ربه ﵎، وتنزيهه ووصفه بالكمال وجمع إلى ذلك ذم نفسه فقال: «إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»، وهذان هما جناحا العبودية: غاية الحب وغاية الذل معًا، فلذلك كان يقول: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، يقولها عاجزًا ذليلًا لربه، منكسرًا لما ألم به، ولذلك صارت مقبولة؛ لأن الله ﵎ من شأنه أن يجيب المضطر إذا دعاه، ويونس كان مضطرًا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
الفرق الرابع: أن يونس ﵇ قالها لما حصل له الانكسار بسبب التقصير في الطاعة والعبودية: ﴿سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:٨٧]، أما فرعون فذكرها لا للعبودية بل لطلب الخلاص من الغرق، بدليل قوله ﵎ عنه: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ﴾ [يونس:٩٠]، لما أدركه الغرق أراد فقط أن يستعمل لا إله إلا الله لينجو من الهلكة، كما حكى الله ﵎ عنه.
وعلى كل حال: هذه تأملات في هذه الفضيلة الأولى لكلمة النجاة لا إله إلا الله، وهي: أنها أفضل ما يذكر به الله ﵎، والدليل على أفضليتها أن العدو والولي كلاهما فزع إليها عند المحنة، وقالها في الوقت الضيق الذي لا يتسع لغيره، فلا شك أنه ينتقي أعظم طوق للنجاة، ويتمسك بأعظم حبل ينجيه من الهلكة، فمن هنا كانت هذه الكلمة أفضل الأذكار، وأفضل ما ينطق به اللسان من ذكر الله ﵎.
1 / 4