Series of Ambitions - The Prelude
سلسلة علو الهمة - المقدم
ژانرونه
الاهتمام الخاص بالأطفال الذين تظهر عليهم علامات علو الهمة
وننتقل إلى نقطة أخرى هي في الحقيقة مهمة جدًا، وذات صلة وثيقة بهذا الموضوع، ينبغي أن يصرف اهتمام خاص إلى طبقة خاصة من الأطفال؛ لأن بعض الأطفال تظهر عليهم علامات تبشر بأن هذا الطفل ما هو إلا شخصية فذة تعد بمستقبل مشرق، وتعد بأنه سوف يترك بصمة على صفحة الحياة.
فهذا فن من الفنون التي أتقنها علماء المسلمين، وأولوها اهتمامًا كثيرًا؛ لأن الطفل الصغير ذا الهمة العالية لا يخفى منذ زمن الصبا، وربما أحيانًا وهو في المهد تظهر عليه علامات النجابة والتفوق والنبوغ، وعلو الهمة حتى من الطفولة، فتظهر منه علامات النجابة ومخايل العبقرية في الصغر، ولا يكاد يشك ذو فراسة إيمانية صادقة في صيرورة صاحبها إلى تسلم ذرى العلى والتربع على قمة المجد، والارتقاء إلى منصب الإمامة، وقد اهتم المسلمون بالاجتهاد في الاكتشاف المبكر للنابغين، ووضعوا لذلك معايير دقيقة، وأولوا الصغار الذين توسموا فيهم النجابة رعاية خاصة ترصدًا لما تفرسوه فيهم من الصدارة، فهذا الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى يتحدث عن هذه المعايير فيقول: الأمر الذي يمكن الوصول إليه بالاستقراء أن الذين يصطفيهم الله ﷾ لمرتبة الولاية، لا يكونون أشخاصًا عاديين، وإنما ينتقي الله ﷾ لولايته وفضله أشخاصًا بصفات معينة، ويقول: تأملت الذين يختارهم الحق ﷿ لولايته والقرب منه، وقد سمعنا أوصافهم، ومن نظنه منهم مما رأيناه، فوجدته سبحانه لا يختار إلا شخصًا كامل الصورة، لا عيب في صورته، ولا نقص في خلقته، فتراه حسن الوجه، معتدل القامة، سليمًا من آفة في بدنه، ثم يكون كاملًا في باطنه، سخيًا جوادًا عاقلًا، غير خب ولا خادع، ولا حقود ولا حسود، ولا فيه عيب من عيوب الباطن، فتراه في الطفولة معتزلًا عن الصبيان، كأنه في الصبا شيخ، ينبو عن الرذائل، ويفزع من النقائص، ثم لا تزال شجرة همته تنمو حتى يرى ثمرها متهدلًا على أغصان الشباب، فهو حريص على العلم، منكمش على العمل، حافظ للزمان، مراعٍ للأوقات، ساعٍ في طلب الفضائل، خائف من النقائص، ولو رأيت التوفيق والإلهام الرباني يحوطه لرأيت كيف يأخذ بيده إن عثر، ويمنعه من الخطأ إن هم، ويستخدمه في الفضائل، ويستر عمله عنه حتى لا يراه منه.
انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله تعالى.
وعن محمد بن الضحاك أن عبد الملك بن مروان قال لـ ابن رأس جالوت: ما عندكم من الفراسة في الصبيان؟ أي: ماهي المعايير التي تقيسون بها أو تتوقعون بها المستقبل الباهر لبعض هؤلاء الصبيان؟ فقال: ما عندنا فيهم شيء؛ لأنهم يخلقون خلقًا بعد خلق، غير أنا نرمقهم، فإن سمعنا منهم من يقول في لعبه: من يكون معي؟ أي: من يلعب معي؟ رأيناه ذا همة وحنو سبق فيه، وإن سمعناه يقول: مع من أكون؟ كرهناها منه.
أي: أنهم إذا سمعوا الولد الصغير يقول: من يكون معي؟ يعرفون أن هذا الولد عالي الهمة، وأنه بطبيعته شخصية قيادية، يصلح للإمامة؛ لأنه يقول: من يكون معي؟ فيرى أن الآخرين يكونون تبعًا له بدون تكلف، وهذا دليل على أنه أوتي خصلة الشخصية القيادية، لكن إذا رأوا الولد يقول: مع من أكون؟ فمعناه أنه ذيل، وأنه يتبع غيره، فهذه أحد المعايير التي وضعت منذ المئات من السنين.
7 / 5