وجلست «فيدينا» على الأرض تحمل جثمانها الصغير، دون أن ترد أو تفتح عينيها. كانت قد حملته مدة طويلة في نفس الوضع حتى إنها لم تعد تشعر بثقله. وأخذت «مانويلا» تروح هنا وهناك، مشوحة بيديها وهي ترسم علامة الصليب. ولاحظت في مرواحها ومجيئها وجود رائحة كريهة في المطبخ. وعادت من ناحية الحوض تحمل طبقا، وبدأت - بلا انتظار - تركل «فيدينا» وهي تصيح بها: «إن معك شيئا نتنا يفوح بالرائحة الكريهة. ألقيه بعيدا عن هنا! تخلصي منه فإني لا أريده هنا!»
وجاءت السيدة تشون إلى المطبخ على صيحات «مانويلا»، وتعاونا معا كأنهما يقتلعان شجرة في فتح ذراعي المرأة البائسة. بيد أنها حين أدركت أنهما ينتزعان طفلها منها، فتحت عينيها وأطلقت صرخة حادة ثم سقطت مغشيا عليها.
وصاحت «مانويلا»: إنه الطفل الذي تفوح منه الرائحة. إنه ميت! يا للهول! ولم تحر ذات السن الذهبية منطقا، وبينما العاهرات يتدفقن إلى المطبخ جرت إلى الهاتف كيما تخطر السلطات. كانت كل واحدة تريد أن ترى الطفل وتقبله؛ وغطينه بالقبلات وتنازعن عليه فيما بينهن. كان الوجه المغضن الصغير مقنعا برضاب الرذيلة، وكانت قد أخذت تنبعث منه رائحة كريهة. وامتلأ المكان بالبكاء وبالحديث عن إجراءات إقامة جنازة للطفل. وتوجه الماجور «فارفان» لاستخراج تصريح الدفن من الشرطة. وأخليت أكبر حجرات النوم الخاصة من الأثاث، وأحرقوا فيها البخور لطرد رائحة المني العفنة من الستائر والسجاجيد، وأحرقت «مانويلا» قطرانا في الطبخ، ووضعوا الطفل على صفحة سوداء من الميناء وسط الورود والكتان حيث رقد مقعيا على نفسا، جافا مصفرا، كبذرة نبات لبلابي.
لقد بدون جميعا كما لو كانت كل واحدة منهن قد فقدت طفلا تلك الليلة. كانت أربع شمعات تحترق. ورائحة فطائر الذرة والبراندي، ولحم عليل، وأعقاب سجائر ونبيذ.
وكانت ثمة امرأة نصف مخمورة، وأحد ثدييها عار، تمضغ سيجارا بدلا من أن تدخنه، ظلت تردد وسط أنهار من الدموع:
نم يا صغيري نم.
نم يا حبيبي الوليد!
وإلا سيأتي الذئب،
ليأكلك!
نم يا حياتي نم!
ناپیژندل شوی مخ