فقلت: «أجل يا مولاي، لقد سررت ونلت السعادة بقربي منك.»
فقال: «بارك الله فيك أنت وأخويك - يريد ديمتري وسيد جمعة - لقد كانت تبلغني أخبار المعارك بينك وبين أتباعي فكنت أدعو الله لهدايتك، وقد سمع الله ونبيه لدعائي، وكما خدمت مولاك السابق لأجل المال الزائل يجب أن تخدمني الآن؛ لأن من يخدمني يخدم الله والإسلام ، وينال السعادة في هذا العالم والفرح في العالم الثاني.»
فأبدى كل منا ولاءه، وكنت قد أوصيت قبلا بأن أطلب مبايعته فانتهزت هذه الفرصة وطلبت ذلك، فدعانا إلى أن نركع على طرف جلد الشاة، ثم وضع كل منا يديه في يديه وأقسمنا هذه اليمين:
بسم الله الرحمن الرحيم
بايعنا الله وسوله، وبايعناك على توحيد الله ولا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي البهتان ولا نعصيك في المعروف، بايعناك على ترك الدنيا والآخرة (كذا ...) ولا نفر في الجهاد.
ولما انتهينا من البيعة قبلنا يديه وصرنا معدودين من أنصاره المخلصين، ولكنا كنا أيضا عرضة لأن يقع بنا عقاب هؤلاء الأنصار. وشرع المؤذن في الأذان وكان المهدي يؤمنا فيصلي ونحن نكرر ما يقول، ولما انتهت الصلاة رفع الجميع أيديهم يدعون بالنصر للمؤمنين، ثم ابتدأ المهدي في وعظه.
وكان حوله جموع عظيمة من الناس يعظهم عن غرور العالم وزواله، ويحضهم على الزهد وألا يفكروا إلا في الدين والجهاد، وكان يصف لهم ملذات النعيم التي سيلاقيها المؤمنون بمذهبه، الداعون إلى دعوته. وكان بعض المتحمسين يقاطعونه بصيحات التواجد والطرب، والحق أني مقتنع بأن جميع الحاضرين سوانا كانوا مؤمنين إيمانا حقا بدعوته، وكان الخليفة قد خرج من المسجد في مهمة ما، ولكنه نبه الملازمين لي أن يطلبوا منا البقاء مع المهدي إلى الغروب.
وسنحت لي الفرصة عندئذ بأن أنظر إلى المهدي وأتعرف أوصافه، كان طويلا عريض الأكتاف خفيف السمرة متين البنية، وكان رأسه كبيرا وعيناه براقتين، وكانت له لحية سوداء وعلى كل من خديه ثلاثة حزوز، وكان أنفه وفمه حسني الوضع، وكانت عادته الابتسامة على الدوام، وإذا ابتسم بدت أسنانه الناصعة، وكان أفلج بين ثنيتيه فرجة يتفاءل بها السوادنيون ويسمونها فلجة، وكان هذا سببا في حب النساء له؛ إذ كانوا يسمونه «أبو فلجة»، وكان يلبس جبة قصيرة قد أجيد غسلها وقد عطرت بالمسك والصندل والورد، واشتهرت عنه هذه الرائحة حتى صارت تسمى «ريحة المهدي »، وكانوا يقولون إنها تماثل رائحة الفردوس إن لم تفقها.
وقد قضينا الوقت كله ونحن مكاننا قعود فوق سيقاننا المطوية تحتنا حتى وجبت صلاة المغرب.
وفي هذه الأثناء كان يروح ويغدو من المسجد إلى البيت عدة مرات، ولما انتهت الصلاة استأذنت في الخروج؛ لأن الخليفة كان قد وعدني بلقائه في ذلك الوقت، فأذن لي ونصح لي بأن ألزم الخليفة وأرصد نفسي لخدمته، فوعدته بالطاعة وبلزوم أمره بالحرف، ثم قبلنا يده أنا وديمتري وسيد بك وخرجنا.
ناپیژندل شوی مخ