26 يوليو سنة 1930
البلاغ
الفصل الأول
تمهيد
في يوليو سنة 1878، عندما كنت ملازما في ألاي ولي العهد رودلف عند حدود البوسنة، تسلمت خطابا من الجنرال غوردون؛ يدعوني فيه أن أذهب إلى السودان وأشتغل في خدمة الحكومة المصرية تحت إداراته.
وكنت في سنة 1874 قد سحت في السودان عن طريق أسوان، فذهبت إلى كورسكو وبربر، ووصلت إلى الخرطوم في شهر أكتوبر من تلك السنة، وعرجت على جبال النوبة، وبقيت مدة قصيرة في دلين؛ حيث كان مركز الرسالة الكاثوليكية النمسوية. ومن هنا خرجت في اكتشاف جبال جولفان نايمة وجبال كاديرو، وكنت أود أن أطيل بقائي في هذه الأصقاع، ولكن حال دون ذلك قيام عرب الحوازمة.
ولما لم تكن لي مهمة سوى السياحة، فإن الحكومة طلبت عودتي إلى الأبيض عاصمة كردوفان. وكان قيام هؤلاء العرب ناتجا عن جباية الضرائب الفادحة التي فرضتها عليهم الحكومة، وقد أخمدت الحكومة هذه الحركة بسرعة، ولكني لهذه الظروف لم أر من الصواب الرجوع إلى النوبة؛ وعلى ذلك قررت السفر إلى دارفور.
وفي ذلك الوقت كان حاكم السودان العام إسماعيل باشا أيوب مقيما في الفاشر عاصمة دارفور، وعندما بلغت الكاجة والقاطول وجدت ما خيب رجائي؛ فإن الحكومة نشرت منشورا منعت فيه دخول الأجانب في هذا القسم من السودان؛ لأنه كان حديث العهد بالخضوع للحكومة، وكان يخشى على حياة الأجانب فيه، فرجعت بلا توان إلى الخرطوم حيث عرفت أمين باشا - وكان في ذلك الوقت الدكتور أمين - وكان قد أتى من مصر حديثا في صحبة من يدعى كارل فون جرم.
وكان الجنرال غوردون حاكما عاما لمديريات خط الاستواء، وكان مقيما في لادو، فكتبنا إليه نطلب منه أن يشير علينا بما يراه. وبعد شهرين جاءنا جوابه يدعونا إلى زيارته، ولكن في هذا الوقت وافاني خطاب من أسرتي في فينا وهم يحثونني على الرجوع إلى أوروبا. وكنت أعاني مرض الحمى، وكان لا يزال باقيا علي سنة في الخدمة العسكرية، فقررت الرجوع والنزول على رأي أفراد أسرتي.
أما الدكتور أمين فقد قبل دعوة غوردون وشرع في السفر إلى الجنوب، كما شرعت أنا في السفر نحو الشمال، وقبل الافتراق رجوت أمين أن يذكرني بالخير أمام غوردون وقد فعل، وكان إيصاؤه بي لديه سببا في ذلك الخطاب الذي ذكرت أني تسلمته وأنا بالبوسنة بعد ذلك بثلاث سنوات.
ناپیژندل شوی مخ