فقلت له: «أرجوك بحق الصداقة القديمة أن تعفو عنه وتسلمه لي.»
فقال: «حسنا، أفعل ذلك إذا ركعت أمامي.» والركوع في السودان علامة الهوان العظيم، فشعرت بالدم يصبغ وجهي، ولو أني دعيت إلى هذا العمل لكي أنجي حياتي لما قبلت، ولكني رضيت بهذه الفضيحة لكي أنجي هذا الرجل التعس من آلامه المروعة، وترددت لحظة ثم ضبطت نفسي وركعت ووضعت يدي على قدميه العاريتين، فرفعهما وكأنه خجل مما طلب مني وأنهضني وقال: «سأعفو عن حمادة لأجلك، ولكن عدني بأنه إذا أخبرك عن أمواله أن تبلغني.»
فوعدته بذلك، وأرسل معي رجلا إلى حمادة، فهتفت بالخدم وحملناه على عنجريب ونحن نرفق به كل الرفق إلى منزلي، ثم غسلنا جروحه ونضحناها بالزبدة لكي تخفف آلامه، ولم يكن من الممكن أن يعيش كثيرا، وقدمت له حساء فطفق يلعق ويلعن أعداءه بصوت خافت، وبقي في منزلي أربعة أيام ثم طلب مني أن أقعد بجانب فراشه، وأشار إلى الخدم بالخروج، ثم همس إلي كلمات لا أكاد أسمعها وقال: «لقد حان حيني، والله يجازيك الجزاء الحسن على ما أسديته إلي من رأفة وشفقة، ولست أستطيع مكافأتك، ولكني أريد أن أظهر لك اعترافي بجميلك، لقد خبأت أموالي ...»
فصحت به: «قف هنا، هل تريد أن تخبرني عن مكان أموالك؟»
فقال: «نعم، لعلك تستفيد منها.»
فقلت: «كلا، لن أستفيد منها، فقد جئت بك هنا على شرط أن أخبر خالد بالمكان الذي أخفيت فيه أموالك إذا علمت ذلك، وأنت قد تألمت وقاسيت كثيرا وتوشك أن تفقد حياتك لإصرارك على إخفاء أموالك ومنعها من أن تقع في يد أعدائك، فدعها إذن في الأرض حيث هي، فستبقى صامتة.»
وكنت وأنا أتكلم قد أخذ حمادة يدي في يده فقال: «شكرا لك، الله يغنيك عن أموالي، الله كريم.» ثم مد ساقيه وذراعيه ورفع سبابته قليلا وقال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله.» وأغمض عينيه وأسلم روحه.
وتأملت في هذه الجثة الممزقة فامتلأت عيناي بالدموع وتساءلت: كم بقي لي من السنين أتحمل فيها الآلام حتى أرتاح هذه الراحة الأخيرة؟ ثم ناديت الخدم وأمرتهم بإحضار رجلين صالحين لغسل الجثة ولفها في قماش، وذهبت أنا إلى خالد لكي أخبره بموته، فقال لي: «ألم يخبرك عن مكان أمواله؟»
قلت: «كلا، فإن الرجل قد تصلب فلم يفش سره.» فقال: «لعنة الله عليه، ولكن بما أنه مات في بيتك فادفنه وإن لم يكن ليستحق الدفن وكان أجدر بنا أن نلقيه كالكلب على التل.»
فتركته وذهبت إلى منزلي حيث دفنا حمادة أمام المنزل بعد الصلاة المعتادة.
ناپیژندل شوی مخ