أتى اليوم التالي، الساعة العاشرة، ها هي ساي قد أتت. سأكون شجاعا الليلة وأخبرها بالأمر، لكن المشكلة أنني أشعر بتوعك صحي. لست على ما يرام وأخشى أن يزداد الأمر سوءا. فإن كان كذلك فسأؤجل الموضوع ليوم الغد. فأنا أريد أن أكون بكامل تركيزي. - بروفيسور هيروكي كيف حالك؟ - هيروكي، أخبرتك أن تناديني هيروكي وحسب. - حسنا لا بأس، هيروكي الوسيم كيف حالك؟ - وسيم؟ قلت لك هيروكي فقط! - فقط؟ ألم يخبرك أحد قبلي أنك وسيم؟ - عدنا لمزاحك! - لا أمزح، انظر إلى المرآة، لكن دقيقة، أنت لست على ما يرام! - ما الذي تعنينه؟ - هل تشعر بالتعب؟ فوجهك شاحب جدا. أي إنك حقا لست وسيما في هذه اللحظة لذا لا تنظر إلى المرآة الآن. أخبرني ما الذي يؤلمك؟ - لا شيء، توعك طفيف لكني بصحة جيدة.
دنت مني ووضعت يدها على جبهتي لتتحسس حرارتي، لكن كان ذلك محرجا جدا. وازداد الأمر سوءا حين طلبت مني أن تجري لي فحصا عاما. أعلم أنها طبيبة وتمارس عملها، لكن المشكلة أنها تعتقد أني أنظر إليها كصديقة لا أكثر، لكن الحقيقة ليست كذلك. لذا لم أكن أود أن تقترب مني أبدا، شعرت أن ذلك خيانة لمشاعرها. لذا كان لا بد أن أبعدها عني في تلك اللحظة. - ساي، أرجوك أنا بخير، لا أحتاج شيئا.
نهضت من مكاني، بينما نظرت إلي باستغراب شديد: هيروكي؟ ما الذي دهاك؟ ألا تثق بي؟ - ساي، ليس الأمر كذلك، لا تسيئي فهمي. - إذن ما الأمر؟ - سألتني ما الأمر! حسنا! أنستطيع التحدث في الشرفة؟ - نعم بالتأكيد!
ساي
عندما أخبرني هيروكي بمشاعره الحقيقية تجاهي، صعقت حقا. فأنا لم أتنبه إطلاقا لمشاعره، كيف حدث ذلك من غير علمي؟ على أي حال، فلقد كان جوابي له سريعا جدا: هيروكي اعذرني أرجوك، أنا لا أريد أن أقحم نفسي في هذه المواضيع مجددا. - لست مضطرة لإعطاء أي إجابة الآن، لكن وجب علي أن أوضح لك طريقة نظرتي إليك. لم أكن مرتاحا وأنت تعاملينني بعفوية بينما أكن لك مشاعر خاصة، فكان لا بد أن تعلمي بذلك وبعدها تستطيعين أن تتصرفي معي بالطريقة التي تحلو لك. - هيروكي أقدر صراحتك، وأشكرك عليها. لكن أرجوك، لا تهدر مشاعرك في مكان غير مناسب. - ساي، لن نتحدث اليوم أكثر. أراك غدا، اعتني بنفسك. - بل أنت اعتن بنفسك، حرارتك مرتفعة جدا. اذهب إلى المركز الطبي حالا. - حسنا.
ابتسمت ومضيت إلى غرفتي، أفكر مجددا بما قاله وأفكر بالذي سأفعله الآن. لا حاجة للتفكير بهذا الأمر، فحتما لن أغير شيئا في حياتي. هيروكي رجل محترم، خلوق وذو طباع حسنة، لكنه رجل وأنا يكفيني ما لقيت من الرجال. لا أود أن أكرر تجربتي السابقة. هاك أيضا، أحبني بشدة ولمدة أطول، وعشنا ذكريات جميلة جدا. أحبني كما أنا بجنوني، بغبائي وبجميع عيوبي. ثم ماذا؟ ثم شيئا فشيئا تراجع عن كل ذلك. هل هو الملل؟ لا أدري حقا، لكن ما أعلمه الآن أني قاسيت الكثير إلى أن التأم جرحي القديم. أعيش الآن باستقرار مع نفسي، ولست أرغب في أن أضع نفسي مجددا في خطر جديد، لا أشعر أني بحاجة لأن أبقى بجانب رجل، يكفيني أصدقائي وتكفيني بالدرجة الأولى، ساي، كما هي. لكن كيف سأتعامل مع الأمور من الآن وصاعدا. علي أن أرتب أفكاري من جديد، فأنا لن أترك المركز مهما كلف الأمر، كما أنه ليس من المريح على الأقل في هذه الفترة أن أبقى أمامه، لا بد أن الحل الوحيد هو ألا آتي إلى المركز، وأن أقوم بمهامي من غير المجيء إلى المركز وإرسال نتائجي عبر البريد الإلكتروني والقيام بالاجتماعات عبر وسائل الاتصال، وسنرى بعدها ماذا سأفعل!
هيروكي
لم أكن أتوقع أن تتهرب مني، ليست ساي من تتصرف بهذه الطريقة. قمت بالموافقة على طلبها بأن تعمل من بلدتها عن بعد من غير المجيء إلى المركز، لكن بعد أن تنهي بعض الأعمال هنا. أي أنها ما زالت مضطرة إلى المجيء إلى المركز خلال الأسبوعين القادمين. وهنا بدأت المشاكل، كانت ساي تتصرف معي بغرابة. لقد ضايقني الموضوع بشدة، ربما لم تعد مرتاحة بالتعامل معي، أتفهم ذلك. بالتأكيد لم تكن تأتي إلى المكتبة، بل كانت تقضي معظم أوقاتها بعد العمل في حديقة المركز الخارجية. في أحد الأيام، لم أستطع منع نفسي من اللحاق بها للحديث حول ما تفعله بنا. لحقت بها وناديتها: ساي. - بروفيسور هيروكي أهلا بك! - بروفيسور؟ هل عدنا للألقاب من جديد، هل يعني أنك تفضلين أن أناديك بالدكتورة ساي؟ - لا أبدا، نادني بما شئت أنت تعلم أني لا أحب الألقاب والمراسم والبروتوكولات مع كل الناس، فكيف مع أصدقائي! - جيد، ما زلت تذكرين أننا صديقان! - نعم ومن قال غير ذلك؟ - أفعالك وتصرفاتك. - هيروكي أرجوك، لا تتحدث عن هذا الموضوع مجددا.
استدارت وكادت ترحل إلا أنني ناديتها مجددا: ساي! لكن هذا ليس عدلا منك، ترغمينني على أن أرضى بجوابك. أنت حرة بقرارك، لكن لست حرة بجعلي أتراجع أو أستسلم. عليك أن تفهمي ذلك، ثم إن هروبك من أمامي لن يفيدك في شيء، لا تحسبي أني سأغير رأيي بعد أسبوعين، شهرين أو حتى عشرين سنة. ساي! أنا شخص عشت حياة مكرسة للعلم والأبحاث، لم أتزوج ليس لأني لم أجد الوقت لذلك كما يظن معظم الناس، لا! أنا لم أتزوج لأنني طيلة السنين لم أجد تلك المرأة التي تدخل قلبي عنوة، ترغمني بأن أعشقها بكل صفاتها وبكل ما فيها. وأود أن أعلمك بأمر ربما لا تعلمينه عن البروفيسور هيروكي، هو أنه عنيد جدا، ولا يستسلم!
سكتت طويلا ولم تجبني بأي رد، بل بقيت تنظر إلي كمن يستجدي الآخر ليتركه وشأنه، سألتها بهدوء: ساي! هل ستبقين صامتة؟ ألا من رد؟ طيلة الشهرين الماضيين كنت أحدثك عن الكثير من أموري الشخصية، حدثتك عن مشاكلي في حياتي بعفوية تامة ولم أشعر أنني أتكلم أمام شخص غريب. لكن أنت، وحتى حين يكون الأمر متعلقا بنا، فإنك تفضلين الصمت. هل تجدين ذلك منطقيا؟ أنت لا تبدين بحالة جيدة منذ أن حدثتك في الأمر. لم لا تصارحينني بما تشعرين وتصارحينني بسبب رفضك لإعطاء فرصة لنا؟ لم تسمحين لنفسك أن تواسي الجميع، بينما تمنعين الناس عن إسداء حتى لو قليلا من المساعدة لك؟ لم لا تقبلين أن يكون أحد بجانبك بينما أنت بجانب الجميع دوما؟ لم لا تسمحين لمشاعر الناس أن تغمرك بينما تغمرين الجميع بكل ما تستطيعين من مشاعر ونصائح ووقت وتعاطف؟ - هيروكي، أنا لست من ذاك النوع الأناني، كل ما في الأمر أن تجربة زواجي السابقة كان لها تأثير سلبي على حياتي. لا أحب الحديث عنها، لا لأنني أود أن أحتفظ بالألم لنفسي، لا، بل لأن الحديث عنها يؤلمني بشدة. هناك جانب ضعف في حياة كل إنسان، وأنا أمتلك هذا الجانب. ما آلمني حقا ليس أننا افترقنا أنا وزوجي السابق، بل أتألم لأنه لم يبرر، لم يتكلم، لم يكن صريحا، لم بدأ يكرهني؟ لم لم يخبرني أنني صرت بغيضة لديه في وقت مبكر؟ لم تغير فجأة؟ لم بات يكره المرأة التي كان قد أحبها؟ - ساي لا أريد أن تتألمي أكثر، أنا أعتذر على إصراري بجعلك تتحدثين عن هذا الأمر، لكن أرجوك، أعطينا فرصة، لا أود أن أزعجك أكثر من ذلك. - أرجوك هيروكي، سأقوم بأعمالي من بلدتي بدءا من الغد، سأتواصل مع الجميع عبر الإنترنت، لا أود المجيء مجددا إلى هنا. - كما تشائين.
ناپیژندل شوی مخ