وهما في ذلك وإذا امرأته قد أقبلت، فإذا رأت ذلك دهشت وأخذها شيء من الضجر لم تحاول قط إخفاءه، ثم تأخذ في لوم زوجها على السياسة ودخوله فيها، وتسأله عن حفلة راقصة يريدان إقامتها: أتكون في الرابع عشر أو الخامس عشر من الشهر؟ فيتردد ثم يذكر أن بينه وبين الناخبين موعدا في هذين اليومين، ولكنه لا يعرف أيهما، ثم يلتمس كتاب الناخبين إليه فلا يجده فيذهب كاتبه لالتماسه. ولا يكاد يخلو إلى امرأته حتى تطلب إليه أن يقيل هذا الكاتب، فيعاتبها لأنها تلقى هذا الشاب بفتور بعد أن كانت قد لقيته أول الأمر في شيء من الظرف واللطف.
ولكنها تلح عليه فيأبى، ونفهم من حديثهما ومن إلحاحها أن بينها وبين هذا الفتى حبا أو شيئا يشبه الحب، وهي تريد ألا تصل إلى خيانة زوجها. ولكن الرجل سليم القلب لا يفكر إلا في السياسة والانتخاب ومجلس الشيوخ. فإذا أبى عليها ويئست منه تركته وجاء الفتى، وهما باستئناف العمل، ولكن معين الفتى في المكتبة قد جاء، فتركهما الشيخ على أن يستأنفا العمل بعد حين.
وما هي إلا أن يتحدث الفتى إلى مساعده القديم حتى نفهم أنه قد رأى العينين السوداوين مرة أخرى: رآهما هناك في المكتبة في ذلك اليوم المشهود يوم كانت المعلمة تنظر في الكتاب، فجاءت أختها. هو إذن عاشق لأخت هذه المعلمة، وقد كان صادقا حين أعلن أنه لن يملك نفسه إن رأى عينيها مرة أخرى. وقد رأى عينيها، بل جلس معها إلى مائدة المعلمة، ففقد الرشد أو كاد، واستقال على كل حال وأقبل إلى باريس ولن يفارقها.
وهو سيئ الحظ؛ فقد ذهب إلى دار هذه الفتاة واستأذن عليها، فتركته ينتظر نحو الساعة، ثم خرجت ومعها ثلاثة رجال، فمرت به مسرعة وهي تقول: إذا لقيت أختي فبلغها تحيتي. وهو سيئ الحظ؛ فقد التمس العمل فلم يظفر بشيء، وذهب إلى «بلوك الخدم» وبينهما صلة، فأبى هذا الرجل أن يلقاه، فلما ألح عليه أمره بالعودة إلى الإقليم. وصاحبه الفتى يأمره بمثل هذا، ويضرب له موعدا بعد ساعات ليطعما معا، على أن يسافر هو بعد العشاء. أما هذا الرجل فيقبل الموعد ويقبل العشاء، ولكنه يرفض السفر.
وقد خرج وجاءت امرأة الشيخ، فأنبأت الفتى أن زوجها قد خرج يتروض، وأنها تريد أن تتحدث إليه، ثم أعلنت إليه في صراحة أنها قد طلبت إلى زوجها إقالته فرفض، وإذن فهي تطلب إليه أن يقيل نفسه لأنها تحب زوجها، وتكره أن يعاشرهما ثالث.
أما هو فيعدها بالاستقالة والسفر، ولكنه ينتهز هذه الفرصة التي لن يراها بعدها ليعلن إليها في صراحة أيضا أنه يحبها حبا لا حد له، وأنه لو شاء لأظهر لها هذا الحب، ولكنه أراد أن يكون رجلا شريفا فكتم حبه.
فأما الآن وسيفارقها فراقا لا لقاء بعده، فلا جناح عليه أن يعلن إليها هذا الحب، فإذا أرادت أن تأخذه بالصمت مضى في الحديث وأعلن إليها أنها شجعته على هذا الحب. أليست قد اعتمدت على يده مرة في الملعب وبقيت معتمدة عليها ما استمر التمثيل؟! أليست قد التصقت به التصاقا مرة في العربة يوم عادا إلى البيت منفردين؟! فلو لم يكن رجلا شريفا لانتهز إحدى هاتين الفرصتين وأعلن إليها حبه، ولكنه لم يفعل، وهو إذ يفارقها لا يؤلمه إلا أنها ليست وفية لزوجها. فإذا أخذت تنكر عليه ذلك، أخذ يتهمها بأنها تحب فلانا وتداعب فلانا، حتى تضيق به ذرعا فتعلن إليه أنها لم تخن زوجها، ولولا حرصها على الوفاء لزوجها لما طلبت إليه الرحيل، ولكنها تحبه وتخشى إن أقام أن تقع في الإثم. فإذا سمع هذا فهو سعيد، وهي أيضا سعيدة، وهي لا تتعجله في السفر، بل تطلب إليه البقاء ولكنها قلقة.
أما هو فجريء! انظر إليه يسرع إليها يريد أن يأخذها بين ذراعيه، ولكنها تتحرج وتأبى عليه إلا حبا بريئا، ولا تسمح له إلا بقبلة بعينها يضعها بين شعر رأسها لا يتجاوز هذا الشعر. وإنه لفي هذه القبلة إذ يحسان حركة فيفترقان، وإذا الزوج قد أقبل، فتلقاه متبسمة، وتعلن إليه أنها قرأت بعض منشوراته الانتخابية فرضيت عنه. وهو يبتهج حين يراها مسرورة راضية، ولكنه لم يقبل وحده بل أقبل ومعه أحد الناخبين، فهو يدعو سكرتيره ليتحدثا مع هذا الناخب.
وتخلو المرأة إلى نفسها فتجلس مفكرة وفي يدها ورق كأنها تنظر فيه. وبينا هي في ذلك إذ يقبل زوجها دون أن تحسه، فإذا نظر إليها جالسة هكذا راقته، فسعى إليها في خفة ورشاقة حتى يضع شفتيه من شعرها حيث كان الآخر قد وضع شفتيه. أما هي فقد أحست شفتيه في شعرها فلم تفكر إلا في صاحبها، وإذا هي تقول له: فالنتين! أنت مجنون ... إن زوجي يستطيع أن يأتي الآن! قدر أنت وقع هذا الكلام في نفس الشيخ حين يسمعه. •••
فإذا كان الفصل الثالث، فنحن في مكتب المخدم «بلوك»، وأنا أعفيك من وصف هذا المخدم وأعماله وأعوانه. ولكننا نرى في مكتبه مساعد المكتبة الذي رأيناه في أول القصة، وقد أقبل الآن يلتمس عملا، والمخدم يأبى أن يلقاه، حتى إذا ألح دفع إليه بعض النقد وصرفه وأخذ في عمله، وإذا «كلوتيلد» زوج الشيخ قد أقبلت تستأذن عليه، فإذا أذن لها أنبأته بأنها تلتمس شابا يقال له «فالنتين بريدو»، وقد جاءت تستعين به على أن تلقاه، وقد افتقدته منذ شهرين. فيعدها خيرا ويطلب إليها صورته الفتوغرافية، فتنصرف لتأتي بها، ويأتي مكانها «فالنتين بريدو» نفسه يطلب عملا.
ناپیژندل شوی مخ