د اعماقو غږ: په فلسفه او نفس کې لوستنې او څیړنې
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
ژانرونه
تنطوي جميع السياسات الحكومية، بل جميع القرارات التنفيذية والإدارية، على تنبؤات إمبيريقية: «إذا فعلنا س لترتب على ذلك ص، ومن الجهة الأخرى إذا أردنا تحقيق ب لتوجب علينا أن نفعل أ.» مثل هذه التنبؤات، كما يعلم الجميع، كثيرا ما يتكشف خطؤها، ومن الطبيعي أن نضطر إلى تعديلها كلما مضينا في تطبيقها، فكل إجراء سياسي هو «فرضية» يتوجب اختبارها اختبار الواقع وتصويبها في ضوء الخبرة. ومن الحق أن تلمس الأخطاء والمخاطر الكامنة بالفحص النقدي المسبق هو إجراء أكثر عقلانية وأقل إهدارا للموارد والجهد والوقت من الانتظار حتى تسفر الأخطاء عن وجهها في التطبيق. ومن الحق أيضا أن بعض الأخطاء لا يتضح إلا بالاختبار النقدي للنتائج العملية للسياسات كشيء متميز عن السياسات نفسها؛ ذلك أن من واجبنا في هذا الصدد أن نواجه حقيقة أن أي فعل نتخذه تكون له في الأرجح عواقب غير مقصودة؛ عواقب لم تكن في الحسبان، وهي حقيقة تحمل، على بساطتها، متضمنات بالغة الأهمية في مجال السياسة والإدارة وكل شكل من أشكال التخطيط. وبميسورنا أن نقدم أمثلة كثيرة لهذا المبدأ؛ من ذلك أنني إذا ذهبت إلى السوق لأشتري منزلا فإن مجرد ظهوري في السوق كمشتر سيعمل على رفع السعر، فهذه نتيجة مباشرة لفعلي، غير أن أحدا لا يمكن أن يدعي أنها نتيجة متعمدة. ويورد بوبر أمثلة أخرى لهذه الظاهرة فليرجع إليها من يشاء،
14
هكذا تجري الأمور كل لحظة بما لم يكن بتخطيط أحد أو مشيئته. وهذه حقيقة واقعة لا مهرب منها وعلينا أن نحسب حسابها في كل قرار نصنعه وفي كل بناء تنظيمي نؤسسه، وإلا كان إغفالنا لها مصدرا دائما للخلط والتشويه. وهي تؤكد مرة ثانية ضرورة التيقظ النقدي الدائم في إدارة السياسات، والسماح بتصويبها عن طريق استبعاد الخطأ بصفة مستمرة.
من ذلك يتضح أن الأنظمة الكارهة للنقد تخطئ خطأ مضاعفا: الأول حين تحظر الفحص النقدي المسبق لسياساتها فتقع في أخطاء فادحة لا تكتشفها إلا لاحقا، والثاني حين تحظر الفحص النقدي للتطبيقات العملية لسياساتها، فتمضي في العمل بها وتواصل ارتكاب الأخطاء زمنا يطول أو يقصر بعد أن تكون الأخطاء قد جرت عواقب وبيلة لم تكن بالحسبان. هذا التوجه الذي يسم الأنظمة الشمولية هو توجه غير عقلاني، ومآله بالنسبة للأنظمة المتصلة هو أن تبيد مع نظرياتها الزائفة، وبالنسبة للأنظمة الأقل تصلبا أن تحرز تقدما معطوبا ومكلفا وتمضي بخطى متعثرة بطيئة. (4-1) ضرورة التقنية السياسية
ذهب بوبر إلى أنه في مجال السياسة ليس يكفي لأي شخص في موقع السلطة أن تكون لديه سياسات، بمعنى غايات وأهداف، مهما وضحت صياغاتها؛ فلا بد أن يمتلك أيضا وسائل تحقيقها، ومن ثم فمن واجبه أن ينظر إلى شتى أنواع النظم والمؤسسات بوصفها «آلات» لإنجاز سياساته. وإن تصميم نظام سياسي بحيث يؤتي الثمار المرجوة منه لهو أمر مضاه في صعوبته لتصميم آلة مادية. فإذا قام مهندس بتصميم آلة جديدة وكان تصميمه غير صحيح بالنظر إلى الغرض المطلوب، أو قام بتعديل آلة قائمة أصلا دون أن يجري جميع التغييرات المطلوبة، فإن نتاج الآلة لن يكون موافقا لما أراده منها، بل لما هو بوسعها أن تنتجه فحسب، وهو نتاج قد يكون مخالفا لجميع المواصفات المطلوبة، بل قد يكون مؤذيا خطرا.
هكذا الأمر بتمامه بالنسبة للآلية السياسية، فهي لن يكون بقدرتها أن تأتي بما يتوسمه القائمون عليها، بغض النظر عن كفاءتهم، وبغض النظر عن حسن أدائهم ونواياهم وصياغتهم لأهدافهم. ثمة إذن حاجة لتكنولوجيا سياسية وعلم سياسي (أو إداري) يجسد موقفا نقديا مستمرا وبناء للوسائل التنظيمية في ضوء الأهداف المتغيرة. ينبغي أن تخضع عملية تنفيذ السياسات لاختبار دائم، وأن يتم هذا الاختبار لا بالتثبت من أن الجهود المبذولة قد أتت بالنتائج المرغوبة بل بالتفتيش عن النتائج غير المرغوبة. فاختبار السياسات كاختبار النظريات؛ يجب أن يكون تكذيبيا. مثل هذا الاختبار سهل دائما من الوجهة العملية وغير مكلف، كما أنه مفيد اقتصاديا وهائل الجدوى؛ ذلك أن من دأب الحكومات أن تنفق مبالغ طائلة وتستنزف جهودا كبيرة في سياسات خاطئة دون أن تبذل الجهد الهين والكلفة الزهيدة المطلوبة لرصد النتائج غير المرغوبة. يميل القائمون على النظم السياسية إلى غض الطرف عن الأدلة التي تشهد بأن النتائج التي يصبون إليها لا تحدث. إنهم لا يبحثون عن «المكذبات»
falsifiers
رغم أنها أهم شيء ينبغي أن يلتفتوا إليه. وإن هذه المهمة، مهمة البحث الدائم عن الخلل حتى على مستوى التنظيم نفسه، لهي أصعب ما تكون في الأنظمة الاستبدادية. وهكذا تستشري اللاعقلانية لتطال الأدوات نفسها التي يستخدمونها.
كان بوبر داعية للديمقراطية الليبرالية، يعبر بعمق عن مشاعره الأخلاقية تجاه المسائل السياسية. غير أنه يتميز عن غيره من فلاسفة الديمقراطية بثرائه الفكري والغزارة المنقطعة النظير لأدلته وبراهينه العقلية. لقد كان الاعتقاد السائد في نطاق عريض من الأمم والشعوب، في القرن العشرين بخاصة، هو أن منطق العقل والعلم لا بد أن ينادي بمجتمع منظم تنظيما مركزيا ومخطط بوصفه كلا واحدا لا انقسام فيه ولا تعدد. فجاء بوبر ليثبت أن هذا التصور، عدا أنه استبدادي تسلطي، يرتكز على تصور للعلم مغلوط وبائد، فكل من منطق العقل ومنهج العلم يشير إلى مجتمع «مفتوح» وتعددي، يسمح بالتعبير عن وجهات النظر المتعارضة وتبني الأهداف المتضادة، مجتمع يتمتع فيه كل فرد بحرية البحث في المواقف الإشكالية، وحرية اقتراح الحلول، وحرية انتقاد الحلول التي يقترحها الآخرون وبخاصة أعضاء الحكومة، سواء في مرحلة الشروع النظري أو التطبيق العملي؛ مجتمع تتغير فيه سياسات الحكومة في ضوء المراجعة والفحص النقدي.
ولما كانت السياسات عادة هي خطط ينادي بها ويشرف عليها أناس ملتزمون بها بطريقة أو بأخرى، فإن التغيير المطلوب حين يتجاوز حجما معينا يقتضي تغيير الأشخاص، يترتب على ذلك أن تحقيق المجتمع المفتوح على أرض الواقع يستلزم أولا وقبل كل شيء أن يكون هناك مجال وإمكانية لإقصاء من هم في السلطة على فترات معقولة وبدون عنف، واستبدال آخرين ذوي سياسات مختلفة. ولكي يكون هذا خيارا حقيقيا فإن ذوي السياسات المخالفة لسياسات الحكومة يجب أن يتمتعوا بحرية تشكيل أنفسهم ويتحدثوا ويكتبوا ويطبعوا ويذيعوا ويعلموا برامجهم المنتقدة للسلطة القائمة، وأن يكفل لهم الدستور منفذا إلى خلافة الحكومة. يتم ذلك، على سبيل المثال، عن طريق الاقتراع الدوري الحر.
ناپیژندل شوی مخ