وفي مجموع زيد بن علي الكبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ليس من نبي يأتي يوم القيامة إلا وهو يحاسب بذنب غيره، لقوله تعالى: { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [الفتح:2] فدل أنه لا يخلو أحد من الصغائر، وشهد له قوله تعالى: { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا } [فاطر:45] فما في هذا الحديث من خلة، بل هو جار مجرى قوله تعالى: { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } [السجدة:13] يعني تعالى وهو لا يشاء هدى كل نفس على جهة العموم؛ لأنه تعالى أراد وشاء التخلية للعباد والتمكين من فعل الطاعة وفعل المعصية، فمنهم من شاء الله هدايته، ومنهم من شاء خذلانه على حسب ما سبق في علمه كما قال تعالى: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [الكهف:29] وإثبات الهدى لكل نفس محال، وإذا كان محالا كانت الطاعة والمعصية حاصلين بحصول التمكين والتخلية للعباد كما قال تعالى: { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } [فصلت:46] مع أنه قد روى نحو هذا الحديث صاحب شمس الأخبار وهو من الزيدية وروايته عند صاحب الرسالة مقبولة، وكذلك ابن مظفر رواه أول بيانه في الفقه، والإمام المهدي في تكمله البحر له، ورواه من أهل السنة البزار، فقالوا فيه وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أعظم من ذلك العجب العجب، فما أجاب به القاضي هنا فهو جواب الحديث السابق، وقد أرشد هذا الحديث إلى أن العباد على خطر عظيم، وأن أشد شيء عليهم العجب وهو ذنب عظيم، فإياك والعجب فإنه ما أعجب أحد بعلمه إلا وحجبه عن كثير من الحق.
وكذلك عاب قاضي قضاة مصر على عمرو بن منصور العبسي لما اتفق به عام حجة فألقى على المصري سؤالا وهو في طريقه راكبا فأعرض عنه القاضي فقال عمرو بن منصور:
أنا عمرو بن منصور ... هل لمثلي نظير
فأجاب القاضي سؤاله ثم قال: في الزيدية علماء إلا أنهم يعظمون أنفسهم، وقد قال تعالى: { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } [النجم:32] وفي "المطالب العالية" لابن حجر قال مسدد: حدثنا عبد الله بن داود عن موسى بن عبيده عن طلحه بن عبيد الله بن كريز قال: قال عمر بن الخطاب: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه ومن قال: أنا عالم فهو جاهل، ومن قال: أنا في الجنة فهو في النار.
وقال عن عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من زعم أنه في الجنة فهو في النار.
قوله: إن معاوية حث الناس على رواية الأخبار في فضائل الثلاثة ونهى عن رواية شيء من فضائل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فوضع الناس أخبارا لا أصل لها ميلا إلى الدنيا، وخاف الذين يحفظون فضائل علي رضي الله عنه من معاوية فلم يظهروا شيئا فما ظنك بهم إذا روو حديثا عن مثل معاوية وعمرو بن العاص وأشباههما.
أقول: إن الرواية في الصحيحين عن هؤلاء في حكم العدم إلا النزر اليسير فما الوجه لبطلان سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب هؤلاء الجماعة القليلة ما هو والله من الإنصاف في شيء فخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - لا من صدر عن هديه.
مخ ۳۸