كنت أفكر في كل هذه الحوادث فيأخذني العجب للخاتمة السوداء التي انتهت بها حياة ذلك السلطان، الآمر ببناء مقبرته على ذلك النمط المكلف مع أن جثته بقيت في مكان ورأسه في مكان آخر، ولم يعرف له مدفن حقيقي حتى الآن!
تصفحت بعين الخيال الأيام التي مرت على مصر بعد هذه الحادثة، فتمثل لناظري استيلاء السلطان سليم على مصر بعد موقعة «العادلية» فصلب «طومان باي»، خلف الغوري، على باب زويلة فالحرائق والمذابح العامة ثم طلوع عصر جديد باندحار المماليك ودوام التحكمات المتسلسلة على مصر. وما يلي ذلك من أيام حكم السلطان سليم في مصر وسلطنته الزاهرة في سراي النيل والصفحات المشرقة من حياته الجنونية.
استعرضت في ذاكرتي كل هذه الحوادث التي مرت بنظام آخذة بعضها برقاب بعض، إلى أن تذكرت الكلمة الخالدة التي فاه بها السلطان سليم عندما نظر إلى خريطة البحر الأبيض حيث قال: «إن هذا البحر أصغر من أن يخفق عليه لواءان، فليخفق في أرجائه لواؤنا فقط.» وقد ذكرتني كلمة هذا السلطان الخالد، علم زمانه في البطولة والشجاعة بكلمة أخرى أمر بكتابتها على باب سرايه في المنيل وهي:
الملك لله وحده، والذين يأملون الحصول عليه بالقوة والغلبة يضطرون إلى إرجاعه في نهاية الأمر. نحن العاجزين لو كان لنا أن نملك حفنة من التراب على وجه الأرض لكنا شركاء لله عز وجل.
خادم الفقراء
سليم
ولما تركت حدائق المنيل وأزهارها المعطرة وخيالاتها اللطيفة راجعة إلى أحضان الحقيقة، كان الجو قد اعتدل وأخذت الأنوار النافذة من قبة المسجد في الزوال، فشكرا لشمس الربيع التي قادتني إلى هذا الخيال!
مصر، كانون الثاني 1912
الغروب
خيالات
ناپیژندل شوی مخ