حديقة ساحرة
إلى أستاذي الفاضل حضرة علي تقي أفندي
لا أدري كيف أصف بهجة الربيع في هذه الليلة؟
لو كنت شاعرة، أجيد نظم القوافي لوصفت ما يخالجني من الانفعالات النفسية شعرا، ولو كنت بلبلا لشدوت في الحال بقصيدة الطبيعة الغرامية، أو كنت رسامة لخلدت بريشتي ذكرى هذه الليلة الشبيهة بليالي الفردوس.
ولكن من يستطيع وصف هذه اللوحة البديعة؟! ليلة شرقية زاهرة ذات أريج لطيف وحالة جذابة لا يمكن نسيانها إلى الأبد، وصفاء ليل يقف الإنسان أمامه حائرا باهتا.
كانت النباتات مسترسلة في نومها، وقد هدأت تغاريد الطيور، وخفتت ترنيمات العصافير، وشمل الصمت جميع ما في الحديقة، فليس ثمت صوت أو حس يخل بلطافة المكان.
وبعد حين ظهر البدر بوجهه المنير من وراء الغابة فحيا الكائنات مبتسما، ناشرا أنواره في الفضاء. وكان النسيم المعطر يهب كالمروحة بين آونة وأخرى على وجوه الأزهار فيوقظها رويدا رويدا من سباتها العميق.
لم تكن هناك نسمة حية تتمتع بمرأى هذا المشهد الرائع، اللهم إلا جماعة الأزهار وطائفة الشجيرات الآخذة في الصحو على مهلها. فبهجة هذا المنظر وبهاؤه، وروح هذا المشهد الرائع وجلاله إنما كانت أزهار هذه الحديقة المقفرة، تلك التي كانت ترسل مع هبات النسيم ابتساماتها العطرة للكائنات المحيطة بها.
الضوء الحاصل من وجود القمر ولمعان النجوم في الأفق كان ساطعا باهرا يظهر ما خفي من ألوان هاته الزهور ويشف عما لها من شكل وقوام، وكان يخيل للرائي أن كل زهرة منها تحمل بين جنبيها شكرا خفيا تذيعه للعالم حالما تنتبه من نومها الهادئ .
إن الناظر إلى هذه الحديقة وهي مقسمة إلى طرائق مختلفة من الزهور التي تحاكي بألوانها علائم السماء من صفرة وزرقة وحمرة وخضرة وبياض ليخال له أن في كل زاوية منها أثرا للحسن والتأثر وعلامة للحياة، وحيثما سرح نظره لا يقع إلا على تماثيل صغيرة من الورود والرياحين تنشر أريجها الذكي في الفضاء.
ناپیژندل شوی مخ