المجلد الأول مقدمة ... الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ابن قيم الجوزية بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين رب يسر بفضلك يا كريم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الموصوف بصفات الجلال المنعوت بنعوت الكمال المنزه عما يضاد كماله من سلب حقائق أسمائه وصفاته المستلزم لوصفه بالنقائص وشبه المخلوقين فنفي حقائق أسمائه متضمن للتعطيل والتشبيه وإثبات حقائقها على وجه الكمال الذي لا يستحقه سواه هو حقيقة التوحيد والتنزيه فالمعطل جاحد لكمال المعبود والممثل.

1 / 147

مشبه له بالعبيد والموحد مبين لحقائق أسمائه وكمال أوصافه وذلك قطب رحى التوحيد فالمعطل يعبد عدما والممثل يعبد صنما والموحد يعبد ربا ليس كمثله شيء له الأسماء الحسنى والصفات العلى وسع كل شيء رحمة وعلما وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه وحجته على عباده فهو رحمته المهداة إلى العالمين ونعمته التي أتمها على أتباعه من المؤمنين أرسله على حين فترة من الرسل ودروس من الكتب وطموس من السبل وقد استوجب أهل الأرض أن ينزل بساحتهم العذاب وقد نظر الجبار ﷻ إليهم فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وكانت الأمم إذ ذاك ما بين مشرك بالرحمن عابد للأوثان.

1 / 148

وعابد للنيران وعابد للصلبان أو عابد للشمس والقمر والنجوم كافر بالله الحي القيوم أو تائه في بيداء ضلالته حيران قد استهواه الشيطان وسد عليه طريق الهدى والإيمان فالمعروف عنده ما وافق إرادته ورضاه والمنكر ما خالف هواه قد تخلى عنه الرحمن وقارنه الخذلان يسمع ويبصر بهواه لا بمولاه ويبطش ويمشي بنفسه وشيطانه لا بالله فباب الهدى دونه مسدود وهو عن الوصول إلى معرفة ربه واتباع مرضاته مصدود فأهل الأرض بين تائه حيران وعبد للدنيا فهو عليها لهفان ومنقاد للشيطان جاهل أو جاحد أو مشرك بالرحمن فالأرض قد غشيتها ظلمة الكفر والشرك والجهل والعناد وقد استولى عليها أئمة الكفر وعساكر الفساد وقد استند كل قوم إلى ظلمات آرائهم وحكموا على الله بين عباده بمقالاتهم الباطلة وأهوائهم فسوق الباطل نافقة لها القيام وسوق الحق كاسدة لا تقام فالأرض قد صالت جيوش الباطل في أقطارها

1 / 149

ونواحيها وظنت أن تلك الدولة تدوم لها وأنه لا مطمع بجند الله وحزبه فيها فبعث الله رسوله وأهل الأرض أحوج إلى رسالته من غيث السماء ومن نور الشمس الذي يذهب عنهم حنادس الظلمات فحاجتهم إلى رسالته فوق جميع الحاجات وضرورتهم إليها مقدمة على جميع الضرورات فإنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا لذة ولا سرور ولا أمان ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله ويكون أحب إليها مما سواه ويكون سعيها في ما يقربها إليه ويدنيها من مرضاته ومن المحال أن تستقل العقول البشرية بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين وإليه داعين ولمن أجابهم مبشرين ومن خالفهم منذرين وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله إذ على هذه المعرفة تنبني مطالب الرسالة جميعها وإن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية تابعة لمعرفة المرجو المخوف المحبوب المطاع المعبود.

1 / 150

ولما كان مفتاح الدعوة الإلهية معرفة الرب تعالى قال أفضل الداعين إليه سبحانه لمعاذ بن جبل وقد أرسله إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة وذكر باقي الحديث وهو في الصحيحين وهذا اللفظ لمسلم فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان أحدهما: تعريف الطريق الموصلة إليه وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه الثاني: تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم الذي لا ينفد وقرة العين التي لا تنقطع وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول ومبنيان عليه فأعرف الناس بالله أتبعبهم للطريق الموصل إليه وأعرفهم

1 / 151

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.