أنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه، قال في آخر هذا الكتاب: فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به، فإن الجرح لا استحله تقليدًا، والذي اختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم دخل في قوله ﷺ: «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين» (١) .
هذا كله كلام أبي عبد الله صاحب المستدرك، وهو متضمن أن عبد الرحمن بن زيد قد ظهر له جرحه بالدليل، وأن الراوي لحديثه داخل في قوله ﷺ: «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» .
ثم أنه ﵀ لما جمع المستدرك على الشيخين ذكر فيه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة بل والموضوعة جملة كثيرة، وروى فيه لجماعة من المجروحين الذين ذكرهم في كتابه في الضعفاء وذكر أنه تبين له جرحهم، وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة هذا الفعل، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره فذلك وقع منه ما وقع وليس ذلك ببعيد، ومن جملة ما خرجه في المستدرك حديث لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في التوسل قال بعد روايته: هذا حديث صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب (٢)، فانظر إلى ما وقع للحاكم في هذا الموضوع من الخطأ العظيم والناقض الفاحش.
ثم أن هذا المعترض المخذول (٣) عمد إلى هذا الذي أخطأ فيه الحاكم وتناقض فقلده فيه واعتمد عليه، وأخذ في التشنيع على من خالفه فقال: والحديث المذكور لم يقف ابن
_________
(١) رواه مسلم ١/١٢ متن وأحمد ٤/٢٥٢ و٥/٢٠ من حديث المغيرة بن شعبة، وابن ماجه ١/١٤-١٥ من حديث المغيرة وعلى سمرة بن جندب.
(٢) انظر المستدرك ٢/٦١٥.
(٣) قلت: هذا اللفظ في موضعه ولكن بعض الناس قد يقول: إن هذا من التشدد ومن الكلام القاسي والله تعالى قد قال لموسى وهارون: «إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولًا لينًا» فأقول: هذا موسى الذي قال اله له هذا يقول لفرعون «وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا» ويقول لصاحبه «إنك لقوين مبين» بل الشدة في موضعها من الحكمة وهل الحكمة إلا وضع كل شيء في موضعه ولكل مقام مقال.
فإن هذا المعترض وأمثاله لا يصلح معهم إلا الشدة لأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه.
وقوله بعد هذا (ومناقشة المعترض على ما وقع منه من الكلام عليه بغير علم)
أوقل بل الظاهر أنه يعلم ولكن ليلبس على من لا علم له بالحديث.
1 / 44