وقاله ابن مسلمة من أصحاب مالك في مسجد قباء فقط، ولكن إذا أتى المدينة استحب له أن يأتي مسجد قباء ويصلي فيه، لأن ذلك ليس بسفر ولا بشد رحل فإن النبي ﷺ كان يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا كل سبت ويصلي فيه ركعتين (١) وقال: «من تظهر في بيته ثم أتى مسجد قباء كان له كعمرة» (٢) رواه الترمذي وابن أبي شيبة، وقال سعد بن أبي وقاس، وابن عمر: صلاة فيه كعمرة، ولو نذر (٣) المشي إلى مكة للحج والعمرة لزمه باتفاق المسلمين، ولو نذر أن يذهب إلى مسجد المدينة أو بيت المقدس ففيه قولان: أحدهما ليس عليه الوفاء، وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، لأنه ليس من جنسة ما يجب بالشرع، والثاني عليه الوفاء بنذره، وهو مذهب مالك وأحمد بن حنبل والشافعي في قوله الآخر، لأن هذا طاعة لله، وقد ثبت في صحيح البخاري، عن عائشة، عن البني ﷺ أنه قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه» (٤) .
ولو نذر السفر إلى غير المساجد أو السفر إلى مجرد قبر نبي، أو صالح لم يلزمه الوفاء بنذر باتفاقهم، فإن هذا السفر لم يأمر به النبي ﷺ، بل قد قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» (٥) وإنما يجب بالنذر ما كان طاعة، وقد صرح مالك وغيره بأن من
_________
(١) رواه البخاري ٣/٦٨-٦٩ فتح و١٣/٣١٣ ومسلم ٢/١٠١٦-١٠١٧ وأبو داود ٢/٥٣٣-٥٣٤ والنسائي ٢/٣٧ كلهم من حديث ابن عمر.
(٢) رواه الترمذي ٢/١٤٦ من حديث أسيد بن ظهير الأنصاري وفي سنده أبي الأبرد وهو مقبول كما في التقريب وابن ماجة ١/٥٤٢، ورواه النسائي ٢/٣٧ من حديث أبي أمامة سهل بن حنيف وفي سنده= =محمد بن سليمان الكرماني وهو مقبول كما في التقريب، وابن ماجة ١/٤٥٣ فالحديث بمجموع الطرق حسن.
(٣) إن كان يقصد أنه إذا نذر السفر فواجب بالنذر فنعم، وإن قصد الوفاء بالنذر أي الذهاب مشيًا على الأقدام فقد وردد النهي عن ذلك من حديث أنس أن النبي رأى شيخًا يهاوى بين أبنية قال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني، وأمره أن يركب، أخرجه البخاري ٤/٧٨ و١١/٥٨٥ ومسلم ٣/١٢٦٤ والترمذي ٤/١١١ والدارمي ٢/١٨٤.
ومن حديث عقبة بن عامر قال: (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله وأمرتني أن استفتي لها النبي ﷺ «لتمشي ولتركب ٤/٧٩ ومسلم ٣/١٢٦٤ والترمذي ٤/١١١»
(٤) رواه البخاري ١١/٥٨٥، وأبو داود ٣/٥٩٣ والترمذي ٤/١٠٤ والنسائي ٧/١٧ وابن ماجة ١/٦٨٧ والدارمي ٢/١٨٤ وأحمد ٦/٣٦، ٤١، ٢٢٤ كلهم من حديث عائشة.
(٥) تقدم صفحة (١٩) حاشية (١)
1 / 33