رنت كلمة «أتزوج» في أذني رنينا غريبا، أنكرته، وأخجلني كأنما تفوهت بلفظة جارحة معيبة! رفعت هي عينيها إلي في دهشة، واتسعت حدقتاها، ولاح فيهما ذهول وغباء كأنها لم تفهم شيئا، ثم تساءلت: تتزوج؟!
وكنت قد تخطيت أكبر عقبة فأمكنني أن أقول: أجل .. هذا ما انتويته.
وندت عنها ضحكة متقطعة بالاضطراب والارتباك أشبه، وقالت بصوت متهدج: ما أسعدني بذلك! هذه هي السعادة حقا. ترى هل جاءتك هذه النية اليوم؟ الآن؟ لماذا لم تخبرني قبل اليوم؟! مبارك، يا بني.
وأزعجني تهدج صوتها، واضطراب نبراتها، وانفعالها الظاهر، فقلت: إني أستأذنك لأني أحب دائما أن تكوني راضية عني.
فهتفت في لهوجة: وهل تتصور أن أبخل عليك ساعة واحدة برضاي؟ يا ألله، أبعد هذا الحب كله أجزى عنه بالتشكك في إخلاصي؟ .. ستجدني راضية عنك ولو قتلتني، أتنسى أن حياتي كلها لك؟
فازدردت ريقي وقلت وأنا أختلس منها نظرة قلق: إني أعلم هذا وأكثر يا أماه.
فلاح في وجهها وجوم شديد، وبدا عليها أنها تحاول عبثا أن تضبط عواطفها: هذا ما يعلمه القاصي والداني، وأية أم لا تفرح لزواج ابنها، ولو كانت وحيدة ليس لها سواه! هذه حكمة الحياة أن أحتضنك العمر كله ثم أسلمك شابا رائعا لعروسك، إني أبكي من الفرح.
اغرورقت عيناها وهي تتكلم، ونظرت إلي خلال دموعها وكأنها ارتاعت لوجومي، فقالت معتذرة: معذرة يا كامل، ليست هذه بدموع .. إنها دموع الفرح، بيد أنك فاجأتني مفاجأة، ولم تتلطف في إخباري، ولكن لا داعي للتلطف، ألا ترى أني أعتذر بما هو أقبح من الذنب؟ ليغفر لي ذنبي حبي الكبير وحسن نيتي وقلبي الذي وهبتك إياه وإن لم تعد بك حاجة إليه .. وإنك لتعلم بأني إذا انفعلت أفلت زمام لساني من يدي. إني أهنئك بما اخترت لنفسك، ولكن هل نبتت هذه الرغبة الآن فحسب؟ إني لا أطيق أن أتصور أنك رغبت في الزواج من قبل ولم تسعفك الوسيلة. أكنت ترغب في الزواج من زمن طويل؟
فقلت وأنا أداري بابتسامة ميتة: كلا يا أماه ما فكرت في ذلك إلا من زمن قصير حين بدا لي أني كبرت.
فندت عنها ضحكة هستيرية، وصاحت: اسمعوا يا هوه، كامل يبدو أنه كبر! وأنا؟! لا بد أني عشت أكثر مما ينبغي!
ناپیژندل شوی مخ