فزعقت بها: ولكن كان فيه متسع لقتلها!
وحملقت المرأة في وجهي بجنون وجعلت تردد: «قتلها .. قتلها .. قتلها!». ثم انفجرت بغتة ففقدت صوابها، وانهالت على خديها لطما، وقد أرادت صباح أن تحول بين كفيها وخديها، ولكنها ضربت وجه الجارية بقبضة يدها ضربة هائلة فتراجعت الجارية في فزع، ثم التفتت نحونا ممسكة عن اللطم وصرخت في وجهينا - أنا والطبيب - بصوت كالزئير: أنتما اللذان قتلتماها .. اغربا عن وجهي.
وانفلت الطبيب من الباب، ولبثت وحدي أحدجها بنظرة قاسية لا تأبه لثورتها. «أنتما اللذان قتلتماها». إن المرأة تهذي، ولن تأخذني بها رحمة، ولن يهدأ خاطري حتى أعمل عملا ترتج له القلوب .. إني حيال جريمة، إلا تكن جريمة فجهل وغباء، ولا بد أن يؤدى الثمن غاليا. لقد تمخض خضوع العمر في عن ثورة جائحة وغضب ناري وشر مستطير. نسيت الجثة والحزن وتخايلت الشياطين لعيني، لتنقض الدواهي على رءوس المجرمين.
وكانت المرأة تعول بصوت مزعج، وصباح تنتحب انتحابا متواصلا، فتحولت عنهما بحركة مفاجئة، وغادرت الحجرة لا ألوي على شيء، ثم مرقت إلى الخارج مهرولا كأني أفر فرارا.
61
بدت الدنيا لعيني حمراء قانية، وركبني عناد جهنمي دفعني دفعا لا قبل لي به إلى ارتكاب أي شر أنفس به عن صدري. وكنت في شك من بلوغ أية نتيجة تشفي غليلي، ولكني لم أتردد لحظة واحدة، وناديت تاكسي وأمرته أن يذهب بي إلى النيابة. ودخلت دار النيابة وليس في ذهني خطة معينة أو تهمة صريحة. وجدتني في زحمة خانقة وصكت مسامعي ضوضاء غير مميزة كهدير البحر، فلبثت حائرا لحظات حتى رأيت شرطيا فتقدمت منه وسألته أن يدلني على حجرة وكيل النائب، فقال لي بخشونة: «في الطابق الثاني.» فارتقيت السلم واسترشدت بموظف إليها، ثم استأذنت ودخلت. رأيت مكتبا في مواجهة الداخل جلس وراءه شاب قصير نحيل، مكبا على أوراق بين يديه، فرفع رأسه حين دخولي، وتفحصني بنظرة ثاقبة، ثم سألني: ماذا تريد؟
صدمني هذا السؤال البسيط فاستحال عقلي خواء، ووقفت ذاهلا كأنني لا أدري على وجه التحديد لماذا جئت. ولاح التساؤل على وجه الشاب فأعاد سؤاله قائلا: ماذا تريد؟
ينبغي أن أتكلم مهما كلفني الأمر، فقلت تاركا مقودي للساني: زوجي .. (كدت أقول قتلت؛ ولكني عدلت عن ذلك خوفا) .. ماتت!
فقطب الوكيل فيما يشبه الدهشة وقال: وما شأن النيابة في ذلك؟! ولكن من حضرتك؟
وتنفست تنفسا عميقا، ووجدت رهبة الخوف تزايلني، وعرفته بنفسي ثم قلت: إليك قصتي يا سعادة الوكيل: تركت زوجي متوعكة في بيت أمها صباح اليوم، وعدت إلى البيت بعد مغادرتي إياه بساعتين فوجدتها ميتة، وقالوا لي: إن وطأة التعب اشتدت عليها فجأة فاستدعوا طبيبا قريبا من أقرباء أمها، فرأى أن حالها تتطلب إجراء عملية عاجلة فقام بها وماتت على الأثر!
ناپیژندل شوی مخ