لعله كان سرورا بتقليم مخالب العذاب التي كانت تنوشه من كل جانب وهو ملقى بينها عاجز عن النجاة منها.
ولعله كان سرور الرضى بتحقيق الظنون وانقطاع الشكوك.
ولعله كان سرور القدرة على التفريط في سارة بغير لاعجة من حسرة ولا خالجة من ندم ... أولم تعد مرأة من النساء بعد أن كانت المرأة «المخصوصة» بعاشق واحد دون سائر الرجال؟ ألم تنقشع عنها سرابيل الحب الأثير التي كانت تغليها وتعلو بها في ضمير همام؟ ألم يسقط عنها «سحر» الانفراد الذي جعلها محبوبة لا تغني عنها واحدة ممن يحملن عنوان النساء؟
بلي! كان ذلك أكبر ما سر هماما في تلك الليلة بما سمع من «بشارة» أمين، وظل على سروره هذا أياما يترشفه ويكرع منه ولا يروي منه بالجرعة والجرعتين، وصفا له شعور الراحة والسكينة برهة لا ينساها بقية أيامه، فلم يرنقها عليه كدر ولا ألم من نكسات الداء القديم، ولم يكد يشعر أن للداء القديم رسيسا باقيا إلا حين انقضت إجازة أمين وودعه صباح يوم للذهاب إلى عمله، فقد كانا معا كالسائحين في طريق واحد معروف المعالم والأنحاء لهما على السواء، فلما افترقا أحس همام كأنه قد ضل الطريق، وألح عليه هذا الإحساس المبهم بضعة أيام، ثم تراجع رويدا رويدا إلى رضوان صحيح، أو رضوان يقنع نفسه بأنه صحيح.
إلا أن كوبيد شيطان مريد له لؤم الشياطين ونزعاتهم ومكائدهم وكراهتهم أن يتركوا الناس هادئين وادعين، فمن حين إلى حين كان همام يسمعه يهجس له ويوسوس في صدره ليسلبه ارتياحه إلى فراق سارة وقدرته على تناسيها، فلا يفتأ يعاوده أبدا بهذا السؤال: أليس من الجائز أنها وفت لك في أيام عشرتها واستحقت وفاءك لها وصيانتك إياها وغيرتك عليها؟ أليس من الجائز أنها يئست منك فزلت بعد الفراق ...؟!
ناپیژندل شوی مخ