ثم ضحك وضحكت، وتماجنت في الضحك وراحت تقول له: أراك ضننت علي بقميص الكتاف اليوم؟ لا، لا، إنني أريد اليوم قميص الكتاف ... قل، قل أليست كل صداقة في هذه الدنيا لغرض؟ هل يصادق الناس أحدا إلا لمال أو جمال أو سلطان أو نحو ذلك من الذرائع واللبانات؟
قال همام: ومن لم يكن له مال ولا جمال ولا سلطان ولا مزية من المزايا، فهل هو إنسان يستحق صداقة إنسان؟
فوثبت وصفقت كما يصفق الطفل الأرعن قد ظفر بالأمنية الممنوعة، وجعلت تقول: ها هو ذا قميص الكتاف، ها أنت إذن أخيرا يا بني! وأقبلت عليه تقبله وتناوشه، وتبذل له ذخيرة من السرور، كأنها فاكهة مترعة برحيقها ليس لها قشر ولا بذور.
وهي على ولعها بحديث الأكاذيب الشائعة في أخلاق الناس وعودتها إليه آونة بعد آونة لم تنع على الناس أكاذيبهم قط بمرارة الناقم واستخفاف المتشائم، وإنما تتحدث بها كما تتحدث بصفحة من الطعام الشهي لم يتقنها الطاهي ... ولا حرج أن تمضي في حديث انتقادها بعد ازدرادها.
فهي لهذا يصح أن تسمى «وثنية» في تقويم مقاييس الأخلاق، ولا يصح أن تسمى متشائمة أو ناقمة على الناس. •••
أما مذهبها في «الكرامة» فمذهب خليق أن يخيف من يحب لها الكرامة، ويود أن يأوي من كرامتها إلى حصن منيع على الطراق.
وأحسن ما توصف به الكرامة على مذهبها أنها «كسوة اجتماعية» لا يخلعها المرء في المجالس ولا يلبسها ممزقة أو مرقعة أو موصومة، فعيوب الكرامة وعيوب الكساء سواء في هذا القياس!
إذا قيل أمامها إن فلانة أباحت نفسها لخادمها قالت - وهي تزعم المناقشة حبا للمناقشة: إن المرأة قد تهفو هذه الهفوة وهي لا تنظر إلى مثل ذلك الرجل إلا كما تنظر إلى حذاء، وليس كل رجل يصل إلى فراش المرأة يسودها، بل هو قد يكون خادمها في ذلك الفراش.
وإذا قيل لها إن فلانا ضرب حبيبته قالت: وهل ضربها إلا لأنه يحبها؟ إن المرء ليضرب نفسه في الحائط إذا بلغ به الغيظ ذلك المبلغ، لو كان ضرب النفس يشفي غلة المغيظ!
وإذا قيل لها إن امرأة في التاريخ أو في قيد الحياة تهالكت على اللذات قالت: إن المرأة لا تتهالك على اللذات إلا أن تفقد الرجل الذي يفوق اللذة في روعها، فتحب الرجل لأجل اللذة بدلا من أن تحب اللذة لأجل الرجل الذي تهواه وتستكين إليه.
ناپیژندل شوی مخ