هذا وأني قد ألفته وما عندي من الكتب العربية شيء أراجعه واعتمد عليه غير القاموس. فإن كتبي كانت قد فركتني فاعتزلتها، غير إن مؤلفة ﵀ لم يغادر وصفا في النساء إلا وذكره. فكأنه كان ألهم أن سيأتي بعده يغوص في قاموسه على جمع هذه اللآلئ في مؤلف واحد منتسق لتكون أعلق بالذهن وارسخ في الذكر.
ولولا إني خشيت غيظ الحسان عليَّ َلكنت ذكرت كثيرًا من مكايدهن وحيلهنّ ومحالهن لكني إنما قصدت بتأليف التقرب إليهنّ وترضيهن به. وإني آسف كل الأسف على أنهن غير قادرات على فهمه لجهلهنّ القراءة لا لعوص العبارة إذ لا شيء يصعب على فهمهن مما يؤول إلى ذكر الوصل والحب والغرام. فهن يستوعبنه ويتلقفنه من دون تلعثم ولا قصور ولا ترج وحسبي أن يبلغ مسامعهن قول القائل أن فلانًا قد ألف في النساء كتابًا فضلهن به على سائر المخلوقات. فقال إنهن زخرف الكون. ونعيم الدنيا وزهاها. وغبطة الحيوه ومناها. وسرور النفس ومشتهاها وعلق القلب. وقرة العين. وانتعاش الفؤاد. وروح الروح. وجلاء الخاطر. وتعلل الفكر. ولهو البال. وجنة الجنان. وأنس الطبع. وصفاء الدم. ولذة الحواس. ونزهة الألباب. وزينة الزمان.. وبهجة المكان والباءة بل أقول غير متحرج عرف الآلهة إذ لا يكاد الإنسان يبصر جميلة إلا ويسبح الخالق. بذكرهن يلهج اللسان. ولخدمتهن تسعى القدم. وتتحمل الأعباء. وتتجشم المشاق ويهون الصعب ويتجوع الصاب. ويقاسي الضر ولرضائهن يذل العزيز. ويبذل النفيس. ويذال المصون. وإن خلاق الرجل من دونهن حرمان. وفوزه خيبوز وهناؤه تنغيض. وأنسه وحشة. وشبعه جوع. وارتواؤه ظمأ. ورقاده أرق. وعافيته بلاء. وسعادته شقاوة. وطوبى له كالزقوم. والتنسيم كالغسلين. فإذا قدر الله بلوغ هذا الخبر المطرب سماع إحدى سيداتي هؤلاء الجميلات وسرت به وفرحت. ورقصت ومرحت. رجوت منها وأنا باسط يد الضراعة أن تبلغه أيضًا مسامع جارتها. وأملت من هذه أيضًا أن تطالع به صاحبتها حتى لا يمضي أسبوع واحد إلا ويكون خبر الكتاب قد ذاع في المدينة كلها. وكفاني ذلك جزاء على تعبي الذي تكلفته من أجلهن. إلا وليعلمن إني لو استطعت أن أكتب مديحهن بجميع أصابعي وأنطق به بكل من جوارحي لما وفي ذلك بمحاسنهن. فكم لهن علي من الفضل حين بدون في أفخر الحلل ومسن وبأحسن الحلي. ونظرن إليَّ شافنات. حتى أبت إلى حفشي وأنا أتعثر بأفكاري وخواطري. فما كادت يدي تصل إلى قلم إلا وقد تدفقت عليه المعاني وساحت على القرطاس. فأورثنني بين الناس ذكرًا وفخرًا. ورفعن قدري على قدر ذوي البطالة والفراغ. نعم أن من بينهن من نفست علي بطيفها في الكرى. ولكنها معذورة في كونها لم تكن تعلم إني أتكلف النوم. بعد أن رأت عيني من جمالها ما يبهر العقل ويبلبل البال.
فأما إذا تعنت عليّ أحد بكون عبارتي غير بليغة. أي غير متبلة بتوابل التجنيس والترصيع والاستعارات والكنايات. فأقول له أني لما تقيدت بخدمة جنابه في إنشاء هذا المؤلف لم يكن يخطر ببالي التفتازاني والسكاكي والأمدي والواحدي والزمخشري والبستي وابن المعتز وابن النبيه وابن نباتة. وإنما كانت خواطري كلها مشتغلة بوصف الجمال. ولساني مقيدًا بالإطراء على من أنعم الله تعالى عليه بهذه النعمة الجزيلة. وبغبطة من خوّله ﷿ عزة الحسن وبرثاء من حرمه منه. وفي ذلك شاغل عن غيره. على أني أرجو أن في مجرد وصف الجمال من الطلاوة والرونق والزخرفة ما يغني عن تلك المحسّنات استغناء الحسناء عن الحلي ولذلك يقال لها غانية. وبعد فإني قد علمت بالتجربة إن هذه المحسنات البديعية التي يتهور فيها المؤلفون كثيرًا ما تشغل القارئ بظاهر اللفظ عن النظر في باطن المعنى.
1 / 6