فقال أقل الحاضرين رشدا وفضلا. وأكثرهم هزلا. يا قوم. إني قائل قولًا ولا لوم. إن أسعد الناس وأحظاهم. وأترفهم وأرضاهم. البغي الجميلة التي تفتح بابها لقاصدها. وتبيح نفسها لمراودها. فإنها تغتنم أنس زائرها وماله. وتتبله بحبها حتى يرى ذله فيها عزًا له. ومتى تمكنت من نفر يبذلون لها العين. ويكفونها مؤونة الأطيبين. فلا تحتاج بعدها إلى البحث عن مراود في المسالك. والتعرض للمكارة والمهالك. فإذا هي شاخت وجدت مما ادخرته في صباها ما تنفق منه عن سعة. وما تكفر به عن سيئاتها السالفة فتعيش في دعة. ويثني عليها الناس بالتوبة الناصعة. والمعيشة الواسعة والإنسان مطبوع على النسيان مطبوع على النسيان. لا يبالي إلا بما هو كائن لا بما كان. ولا سيما إذا كان الحاضر يجدي نفعا جزيلا. ويسرا مأمولا وكفى بأئمة الدين إذا نالوا منها العطايا الوافرة. والصلاة المتواترة. أن ينتشروا عليها أحسن الثناء ويبرئوها منكل فحش وخنى. فلها منهم على كل صلة صلوات. وعلى كل دعوة دعوات. فمن ما رآني في ذلك فليسأل قرينته. ويكظم ضغينته. ريثما أقيم له على ذلك البراهين. ممن غبر وبقي من العالمين. فلما سمعت الجماعة دعواه. ولحنت مغزاه. ضحكوا من هذيانه. ورأوا أن الجواب على بهتانه. على طريقة الجدال إِنما هو من وضع الشيء في غير صوانه. فأضربوا عنه صفحًا. وقالوا له قبحًا لرأيك وشقحًا فلو كان أهل صقع على رأيك لفسدت الأرض. وبار العرض. ولم يبق من الصلاح أثر ولا برض. وإنما اللوم على الكأس التي ذهبت بلبك. وكشفت عن فساد مذهبك. وقبح اربك. ولعلك تهتدي إلى الرشاد إذا أفقت من خمارك. وتبين لك فضاعة هترك واستهتارك. فرأى إن السكوت له اسلم عاقبة من المحاورة والمجاوبة. والمناقرة والمغاضبة. وإن الجمهور يغلب الفرد. وإن كانوا على ضلال. وكان هو على هدى وقصد. فاستف تنفيدهم. وخشي وعيدهم. وتفرقوا ولم يجمعوا رأيهم على أي الناس اسعد. وأي عيش أرغد. إذ رأوا دون كل حرفة نغصًا. ومع كل حالة عنصا. وفي كل أكلة مغصًا، وقد فاتهم من أحوال الناس كثير مما ضاق وقتهم عن ذكره. كما ضاق هذا الفصل عن إحصاء كل ما أوردوه وعن حصره فقف على هذا القدر الذي ذكرته. وسر معي إلى استئناف قصة من غادرته وعليكم السلام.
إغضاب شوافن وأنشاب براثن
1 / 29