257

ساق په ساق

الساق على الساق في ما هو الفارياق

ژانرونه

ادب
بلاغت
غير إن الإنسان خلق من نطفة أمشاج وركب من عدة أخلاط وجواهر وأعراض مختلفة. فهو لا يزال ابد الدهر ماشجًا هذا في ذاك وخالطًا جدًا بهزل وفرحًا بترح. فتراه ساعة قانطًا وأخرى كأشعب. وآونة مفراحًا وأخرى مبتئسًا. ويومًا طربًا شنقًا ويومًا أو بعض يوم عزها. فهو بشر خَلقًا وغول خُلقًا. وأكثر ما ترى منه غملجيته هذه في أمر النساء. فإنه أن تزوج بمليحة قال ليتني كنت تزوجت بقبيحة وسلمت من ضيزنية معارفي وجيراني. وأن تزوج قبيحة قال ليتني تملّحت بمليحة لأكون ذا وجاهة ونباهة. وإن كانت امرأته بيضاء قال ليتها كانت سمراء. فإن السمر أخف حركة واسخن في الشتاء. وإن كانت سمراء قال ليتها بيضاء فإن البيض ارطب أبدانًا في الصيف. وإن كانت كمكامة مكتنزة قال ليتها كانت ممشوقة هيفاء. فإن الهيف أقل مؤونة. وإن سافر عنها قال ليتها هي التي سافرت وبالعكس. إلا في مدة وضعها فإنه لا يتمنى أن يكون في موضعها وقس على ذلك من الأحوال النسائية ما لا يمكن حصره. إذ أخفى شيء من المرأة إنما هو بحر لا يمكن البلوغ إلى قعره. والحاصل إن القلب شؤونًا كثيرة وأحوالًا متباينة لا يزال يتقلب بها. أو لا تزال هي تتقلب به. وعلى كل فتسميته قلبًا دالّة عليه. ويستثنى من هذه القاعدة شيء واحد وهو ثبات الإنسان في كل حال وشان. وإصراره في كل زمان ومكان على تفضيل نفسه على غيره. فلو كان فاجرًا حسب أن لا بره عند الله إلا بره. وإن كان فظًَّا غليظًا رأى كل كيس ربيز دونه. وإن كان بخيلًا ظن إن كل حرف يفوه به هو منَّة كبرى. وإن كان دميمًا ذميمًا لم ير اللوم إلا على نظر الناظرين له. وكما أن عين الإنسان تنظر كل ما واجهها ولا ترى نفسها كذلك كانت بصيرته مبصرة بعيوب الخلق كافة إلا عيب نفسه. ولو طاف الدنيا بأسرها لما رأى فيها من المحاسن ما في مدينته أو قريته. ثم ليس من المحاسن في بلدته ما في بيته. ولكن ليست هي أحد من أهله كما هي فيه. فتحصل من ذلك إنه أفضل من في العالم كله. ولو أنه كان شاعرًا أو بالحري شعورًا لا يحسن إلا الإطراء على بخيل أو التغزل بهند ودعد. ثم رأى علماء الرياضة والهندسة يخترعون من الأدوات مثلًا ما يطوي شقة خمسمائة فرسخ في يوم واحد. لحسب أن شعره أنفع من ذلك وألزم. ولو كان مغنيًا أو لاعبًا بآلة من آلات الطرب ورأى جارًا له طبيبًا نطاسيًا يداوي في كل يوم خمسين عليلًا ويبرئهم بإذن الله لاعتقد أن صنعته أشفى وأنفع. ولم يخطر بباله قط أن الإنسان يمكنه أن يعمر في الأرض دهرًا طويلًا من دون سماع غناء أو عزف بآلة. فمتى يتعلم الإنسان أن يعرف نفسه. وإن يفرق بين الحق والباطل وأن لا يخلط الحزن الكامن في القلب بالتحديق والحملقة.

1 / 257