ساق په ساق
الساق على الساق في ما هو الفارياق
لما فرغ الفارياق من تعبير الأحلام كلّف أن يترجم كتابًا للِجْنة في بلاد الإنكليز فترجمه لهم بلغتنا هذه العربية على ما اقتضته قواعدها. وأتفق وقتئذ أن سافر المطران أتناسيوس الحلبي التتونجي مؤلف كتاب الحكاكة في الركاكة إلى تلك البلاد في بعض مصالح ثرتمية. فتعرف باللجنة المذكورة وأفادهم أن لغة الفرياق فاسدة رأسا. وذلك لخلوها مما أشترطه على المترجمين والمعربين في كتاب المذكور. وأن النصارى يحبون الكلام المعسلط المعسطل. وأنه قد ربا في هذه الصنعة مذ عهد طويل وربى فيها كثيرين في مدرسة عين تراز وفي غيرها.
وأن لأسفار الكنيسة منهجا ... يخالف أسفار الورى ويغاير
وأن لفي اللفظ الركيك يبرّكا ... ويُمْنا لقوم عنهم العار ظاهر
وأن غناء اللحن في القول عندهم ... لكان للحن في الإيقاع والأصل ظاهر
وإن نسبة المولى إلى الله منكرُ ... ومن ولوُا الأدبار كلّ يحاذر
وأن تكاة جمع متكئ أتى ... وأن مَصُونا لا مصانا لنادر
وللشعب القوم معنى مشهر ... وفي ملك لا في ملاك كبائر
وأن عبيدًا لا عبادًا مضافةً ... إلى الله أوْلى ما لذا الحكم ناكر
وأن عذابًا كالركاكات جمعه ... وإن لم يرادف باقي الشيء سائر
وما واعظيها قيل بل موعظينها ... ومن قال أدوّا دون ودّوا مكابر
ومن ردّ قل إن شئت صوغ اسم فاعل ... مُردّ كذا قال النصارى الأواخر
ويظهر يلغيه يبان نظيره ... وصرنا بنيْنَا بالتذخّر كاثر
وجمع مصَفّ للإله مسبّح ... وبعد كما للعطف واو تباشر
ومن بعد إذ جزم المضارع واجب ... ونعت المثنى بالذي متواتر
وإثبات باء الأمر من ناقص كما ... حكاه له قس الشوير المعاصر
وإثبات نون الرفع في الفعل بعد كي ... وأن مستفيض هكذا نص زاخر
ومن بعد يعطى نصب نائب فاعل ... وجوبًا وحذف الفاء في الشرط دائر
وطلب من اللجنة المذكورة أن يفوضوا إليه تعريب الكتاب الذي مرّ ذكره ليحظى عند النصارى بالقبول وإلاّ فلا. فلما رأوه ذا لحية ولا سيما أنه متحلّ بجلاء مطران والمطران عندهم لا يكون إلاّ علمًا فاضلًا اعتقدوا فيه الفضل والعلم وفوضوا إليه العمل. ولهذا السبب خاصة بطل المعبّر ولم يبق للفارياق إلا مرتبه من وظيفة إصلاح البخر. وهنا ينبغي أن يلاحظ أن الإنكليز أشد الناس حرصًا على الألقاب. فإذا زارهم أحد من البلاد الأجنبية متصفًا بلقب أمير أو شيخ أو مطران حظي عندهم الحضوة التامة. ولا سيما إذا كان يتكلم باللغة الفرنساوية. أما لقب المطران فهو عندهم من الألقاب التي تغني صاحبها عن توصية وتنويه. إذ ترجمة هذه اللفظة تجري لديهم مجرى قولهم رئيس أساقفة. ومن حصل على هذه الدرجة منهم حصل على دخل أربعة آلاف ذهب من الليرة. فأما طول اللحية فهو عند العرب ليس بدليل على الحلم والنباهة كما يتبين من حكاية المأمون مع الفقيه علويه. ولكن عادة العجم غير عادة العرب.
1 / 198