88

وظهر ريازانتزيف نضير الوجه مسرورا كعادته، وقال بصوت طروب إذ كان قد ألف هذه الحوادث التي أحزنت زائريه: «آه إن دوري اليوم. كيف أنتم سيداتي؟»

ثم قطب فجأة وقال بلهجة جادة كبيرة الدلالة: «إنه لا يزال غائبا عن رشده على ما يظهر. فلنذهب إليه، إن نوفيكوف وغيره هناك.»

وساروا واحدا وراء الآخر في الممر الضيق النظيف، وإلى يمينهم ويسارهم أبواب بيضاء عليها أرقام سوداء وقال ريازانتزيف: «ولقد أرسلنا في طلب القسيس: ما أسرع ما جاءت الخاتمة! إني مستغرب! ولكنه أصيب ببرد كما تعلمون وهذا هو الذي قضى عليه، هذه هي الغرفة.»

وفتح ريازانتزيف بابا أبيض ودخل منه وتبعه الآخرون يتصادمون على العتبة.

وكانت الغرفة نظيفة رحيبة وفيها أربعة أسرة خالية، وعلى كل منها غطاؤه الخشن مطويا يحضر في الذهن صورة النعش، وفي السرير الخامس رجل هرم ضئيل الجسم جاف العود جالس يلحظ الداخلين، وعلى السرير السادس سمينوف وفوقه غطاء خشن كذلك، وإلى جانبه نوفيكوف منحنيا إليه على حين كان إيفانوف وشافروف واقفين عند النافذة.

وكانوا كلهم يرون من الأمور الغريبة المؤلمة أن يتصافحوا في حضرة رجل يموت وربكم أن لا يفعلوا كأن في ترك المصافحة إشارة إلى أن المنتهى قريب. فسلم البعض وامتنع الآخرون ووقفوا جميعا يرمقون سمينوف بعيون مستفسرة.

وكان يتنفس ببطء وجهد. وما أبعده عن سمينوف الذي يعرفونه، والواقع أنه لم يكن كالأحياء وقد ظلت معارفه وأوصاله ولكنها صارت متصلبة مشدودة فظيعة المنظر. وكأن ذلك الذي يصب الحياة والحركة في أجسام الآدميين غيره لم يعد له وجود، وكأن أمرا مرعبا يجري بسرعة وتكتم في هذا الجسم الجامد؛ أمرا مهما لا سبيل إلى إرجائه، وكأنما لم يبق له من الحياة إلا تلك القوة المشتغلة بهذا العمل المتفرغة لإتمامه باهتمام حاد لا يناله التفسير.

وكان المصباح المدلى من السقف يصب ضوءه على وجه ذلك المائت، وكل من في الغرفة يتئره النظر ويعلق أنفاسه كأنما يخشى أن يزعج شيئا رهيبا. فكانت أنفاس المريض المحشرجة المخنوقة - وسط هذا السكون - واضحة وضوحا مرعبا.

وفتح الباب ودخل قسيس بدين قصير يسير بخطى قصيرة ضعيفة، ومعه المرتل وهو رجل أسمر هزيل، ودخل معهما سانين وسعل القسيس سعالا خفيفا وانحنى للطبيبين وللحضور فردوا عليه بأدب مبالغ فيه ثم عادوا إلى الصمت التام.

أما سانين فلم يجعل باله إلى أحد. ومضى إلى النافذة ومن ثم أخذ يرصد سمينوف والحاضرين جميعا منقبا في سرائرهم معالجا أن يستشف من الوجوه ما يحسه المريض ومن حوله ويفكرون فيه في الواقع.

ناپیژندل شوی مخ