ثم وقفت وكانت تحسب في أول الأمر - ويعزيها حسبانها هذا - أنها ستجد فيه منقذا لها وعونا وأنها ستعيش معه أبدا، فالآن كفلها ما أهداه إليها من خيبة الأمل بالمقت والتقزز منه، وودت لو هزت له قبضة يدها وبصقت احتقارها في وجهه جزاء له على إذلالها وامتهانها، ولكنها شعرت أنها ستبكي قبل أن ينطلق لسانها بحرف، وصدتها بقية من الكبر هي كل ما بقى من ليدا الحزينة الجميلة، وقالت له وأسنانها مطبقة وفي لهجتها من الاحتقار العميق ما أدهشها كما أدهشته: «أيها الوحش؟»
وانطلقت كالسهم خارجة من الغرفة وعلق كمها برتاج الباب فتمزق، فاصطبغ وجه سارودين بالحمرة إلى جذور شعره. ولو أنها قالت «أيها الشقي» أو «أيها النذل» لاحتمل منها هذا في سكون، ولكن لفظة «الوحش» خشنة لا تتفق في رأيه مع شخصيته الساحرة، فأذهله ذلك واحمر حتى بياض عينيه فتلوى وهز كتفيه مضطربا وزر جاكتته ثم فك أزرارها وهو على أتم ما يكون اضطرابا.
ولكنه ما عتم أن استشعر الارتياح الناجم عن الإحساس بالتخلص، فقد قضي الأمر. على أنه غاظه أنه لن يظفر مرة أخرى بليدا وأنه خسر مثل هذه الرفيقة الجميلة المشتهاة، غير أنه نفى هذا الأسف بإيماءة احتقار . «إلى الشيطان بهن جميعا. إن في طوقي أن أنال ما أشاء ممن أشاء منهن.»
وسوى جاكتته وأشعل سيجارة وشفتاه لا تزالان ترتجفان ثم استعاد مألوف هيئته وكر إلى ضيوفه.
الفصل السابع عشر
لم يعد أحد من المقامرين - ما خلا مالينوسكي السكران - يلتذ اللعب. ولج بهم جميعا حب الاستطلاع والرغبة في معرفة السيدة التي جاءت إلى سارودين من عسى أن تكون، وأدرك بعضهم أنها ليدا وخالجتهم لذلك الغيرة وتصوروا جسمها الأبيض بين ذراعي سارودين.
وبعد برهة وقف سانين وقال: «لن ألعب أكثر مما لعبت. فإلى الملتقى.»
فسأله إيفانوف: «تمهل يا صديقي. إلى أين؟»
فأشار سانين إلى الباب الموصد وقال: «سأذهب لأرى ما يجري هنا!»
فقال إيفانوف: «لا تكن أحمق! اجلس واشرب كأسا!»
ناپیژندل شوی مخ