113

فالتفت يوري وعاد فاحتمل البندقية والحقيبة بهيئة المتقزز وصافح صاحبه ودخل.

ومضى الآخر بمركبته في بطء مسافة قصيرة ثم انثنى فجأة وعطف على زقاق وكان يوري يسمع صوت العجلات آتيا من ناحية أخرى غير التي درجت فيها المركبة أولا، فأصغى يوري وهو ثائر النفس إلا أنه غائر وقال لنفسه: «حظ سيئ.» وأدركه العطف على أخته.

الفصل الثالث عشر

أدخل يوري ما معه ولم يجد بعد ذلك ما يصنع فانحدر إلى الحديقة وكان الليل كظلمة القبر وزاد في وقعه منظر السماء وما فيها من النجوم المتألقة، وكانت لياليا جالسة على إحدى درجات السلم وهي لا تكاد ترى في الظلام فسألته: «أهذا أنت يا يوري؟» «نعم هو أنا.»

وجلس إلى جانبها فأسندت رأسها إلى كتفه وهي كالحالمة وفاح منها عبير الصبا الغض فتحركت حواسه وقالت: «هل آتاك الحظ في الصيد؟»

ثم سألته بعد قليل بصوت رقيق: «وأين أناتول بافلوفتش؟ لقد سمعت صوت المركبة.»

وود يوري- وقد هاج فجأة - لو يقول لها «إن أناتولك هذا بهيم قذر» غير أنه أجابها غير محتفل: «لا أدري أين هو. لقد كان عليه أن يعود مريضا.»

فرددت لياليا لفظة «مريض» ولم تزد وشخصت بعينها إلى النجوم، ولم يسؤها أن ريازانتزيف لم يحضر فقد كانت على نقيض ذلك تبغي الوحدة لتطلق لأحلامها وخيالاتها اللذيذة العنان ولا يكبحها وجوده، وكانت العاطفة التي استولت على كيانها الغض غريبة حلوة رقيقة أشعرتها أنها تستقبل غاية منشودة محتومة إلا أنها مقلقة تطوي بها صفحة ماضيها ويبدأ بها عهد جديد بالغا من الجدة مبلغا جعل لياليا تحسب أنها ستصير كائنا آخر غير الأول في كل شيء.

وعجب يوري لأخته اللعوب الضحوك كيف تغري بالسكون والتفكير، وكان هو مكروبا مكتئبا فبدا له أن كل شيء به مثل سهومه وفتوره - كل شيء حتى لياليا والحديقة المظلمة والسماء البعيدة الملتمعة النجوم - ولم يفطن إلى أن هذه الحالة الحالمة لا تنطوي على الحزن بل على قوة الحياة نفسها. في السماء قوى مجهولة لا حد لها تموج وتتصارع. والحديقة الغامضة تمتص من الأرض ما تحتاج إليه من العصير الحيوي. وفي قلب لياليا غبطة تامة كاملة تضن بها أن تنفي سحرها أية حركة أو شعور. وفي صدرها الحب والحنين يتجاوبان، وهي بما يختلج في نفسها منهما وضيئة كالسماء المزدانة بالنجوم وعليها كالحديقة المستسرة نقاب يخفي ما تحته.

وسألها يوري مترفقا كأنما خشي أن يوقظها: «خبريني يا لياليا. أتحبين أناتول كثيرا؟»

ناپیژندل شوی مخ