وكان يوري قد أتم إغلاق الباب فلم يسمع شيئا.
وكان القمر مضيئا في قبة السماء، وهب نسيم الليل البليل على محيا يوري وجلت له الطبيعة كل جميل محرك للخيال وجرى بذهنه سمينوف وهو يجتاز الشوارع الساكنة المضيئة. فتصور سمينوف راقدا في قبر مظلم ساكن على أنه مع ذلك لم تعاوده تلك الهواجس المحزنة التي كانت من قبل تجثم على صدره وتسود الدنيا كلها في نظره. بل خامرته الكآبة الهادئة المطمئنة وأحس دافعا يغريه بالشخوص بطرفه إلى القمر. وذكر سانين وهو يجتاز ميدانا مهجورا فسأل نفسه: «أي رجل هذا؟»
وغاظه أن في الدنيا رجلا لا يستطيع هو أن يحلل شخصيته في لحظة فراح يجد لذة في النيل منه وقال: «إن هو إلا صواغ عبارات ليس إلا. وقد كان يتكلف الطيرة أولا ويدعي مقت الحياة ويرفه عن نفسه بالإعراب عن المستحيل من الآراء، أما الآن فإنه يعبث بالحيوانية.»
وانتقل يوري من التفكير في سانين إلى تأمل نفسه وانتهى من الموازنة إلى أنه لا يعبث بشيء ما، وأن كل خواطره وآلامه وشخصيته مبتكرة، وأنها لا تشبه خواطر الناس غيره وشخصياتهم في دقيق أو جليل.
فارتاح إلى هذه النتيجة أعظم الارتياح، ولكنه أحس افتقاد شيء فانقلب يفكر في سمينوف وأحزنه أن عينيه لن تقع عليه أبدا، واستوحشت نفسه وإن كان لم يشعر له بإعزاز في حياته، وترقرقت الدموع في عينيه وتصور الطالب الميت مدرجا في قبره، وقد صار كتلة متعفنة وذكر هذه الكلمات له:
ستكون حيا تستنشق الهواء وتتمتع بضوء القمر وتمر بالقبر الذي يضم رفاتي.
فرمى يوري بلحظة إلى التراب وقال لنفسه: «إن ها هنا تحت قدمي آدميين أيضا. وإني أطأ بقدمي عقولا وقلوبا وعيونا آدمية! آه وسأموت مثلهم ويمشي غيري فوقي وتخطر لهم ما يطوف بذهني الآن؛ آه، يجب أن يحيا الإنسان قبل أن يخرج الأمر من كفيه. ألا إنه يجب أن يعيش المرء! نعم ولكن على الطريقة الصحيحة حتى لا تضيع عليه لحظة من حياته ولكن كيف هذا؟»
وكانت السوق عارية بيضاء في ضوء القمر وكل ما في البلدة ساكت فغنى يوري نفسه:
لن يسمعنا المزمار عنه نبأ
ثم قال بصوت عال: «ما أثقل كل شيء وأشجاه وأرهبه!» كأنما يقول بشجوه لرفيق معه وأفزعه صوته وتلفت ونفض المكان بعينه ليرى هل سمعه أحد وخطر له أنه «سكران»
ناپیژندل شوی مخ