بالرغم من ذلك، فالقول بأن الكون كان يتمدد يعني أننا نقول بأن عناصره كانت تنكمش. إن مراكز القوى النهائية، والتي كانت مقترنة في البداية بالكون النقطي، هي نفسها التي ولدت المكان الكوني بتفككها بعضها عن بعض؛ فلم يكن تمدد الكون بأكمله سوى انكماش لجميع وحداته الفيزيائية وللأطوال الموجية لضوئه. وبالرغم من أن الكون كان محدد الحجم على الدوام؛ فقد كان بلا حدود أو مركز فيما يتعلق بتفاصيل موجاته الضوئية. ومثلما يكون سطح الكرة المنتفخة بلا حدود أو مركز، كذلك كانت كتلة الكون المنتفخة عديمة الحدود والمركز. ومثلما يتمركز السطح الكروي على نقطة خارجه، في «بعد ثالث»، كانت كتلة الكون مرتكزة على نقطة خارجه، في «بعد رابع».
انتفخت تلك الغيمة النيرانية المحتقنة المتفجرة إلى أن صارت في حجم كوكب، ثم في حجم نجم، ثم في حجم مجرة بأكملها، ثم في حجم عشرة ملايين من المجرات. ومع انتفاخه، صار أقل كثافة وأقل لمعانا وأقل اضطرابا. الآن تمزقت الغيمة الكونية بفعل ضغط التمدد المتعارض مع الالتصاق المتبادل بين أجزائها؛ فتقطعت إلى عدة ملايين من الغيوم الصغيرة، والتي شكلت حشد السدم العظيمة.
على مدار فترة من الوقت، كانت درجة القرب بين هذه الغيوم مقارنة بحجمها، شبيهة بدرجة القرب بين ندف الغيوم في سماء مرقطة. غير أن القنوات الموجودة بينها قد اتسعت إلى أن انفصلت الغيوم عن بعضها كانفصال الورود على شجيرة، كالنحل في سربه الطائر، كالطيور في رحلة للهجرة، كالسفن في البحر. راحت تتباعد بعضها عن بعض بسرعة تتزايد أكثر فأكثر. وفي الوقت نفسه، انكمشت كل غيمة إلى أن أصبحت في البداية كرة من الزغب ثم عدسة دوارة ثم دوامة من تيارات النجوم.
استمر الكون في التمدد إلى أن صارت المجرات الأبعد إحداها عن الأخرى تسبح مبتعدة بدرجة كبيرة، حتى إن الضوء الكوني الزاحف لم يعد قادرا على رأب الصدع بينها.
بالرغم من ذلك، فمن خلال الرؤية التخيلية، استطعت الحفاظ على مشاهدتها جميعا. كان الأمر كما لو أن ضوءا آخر، آنيا يفوق الضوء الكوني ولم يكن يصدر من داخل الفضاء الكوني، كان ينير كل الأشياء داخليا.
ومجددا، لكن هذه المرة في ضوء جديد بارد نافذ، رحت أراقب جميع حيوات النجوم والعوالم والمجتمعات المجرية، وحياتي أنا نفسي حتى اللحظة التي كنت أقف فيها الآن في مواجهة الكيان اللانهائي الذي يدعوه البشر بالإله، ويتصورونه وفقا لرغباتهم البشرية.
أنا، أيضا، كنت أسعى الآن إلى فهم الروح اللانهائية، أي، صانع النجوم، في صورة قد نسجتها طبيعتي المتناهية وإن كانت كونية. الآن قد بدا لي، بدا فحسب، أنني على حين غرة، قد تجاوزت الرؤية الثلاثية الأبعاد الملائمة لجميع الكائنات، وأنني قد رأيت صانع النجوم بحاسة البصر المادية. لقد رأيت في غير المكان الكوني المصدر المتوهج للضوء الفائق للكون كما لو أنه كان نقطة مهولة اللمعان، نجم أو شمس أعتى من الشموس كلها مجتمعة معا. بدا لي أن هذا النجم الساطع هو مركز كرة رباعية الأبعاد كان سطحها المنحني هو الكون الثلاثي الأبعاد. هذا النجم المتسيد على كل النجوم، هذا النجم الذي كان في واقع الأمر هو صانع النجوم، قد تجلى لإدراكي، أنا مخلوقه الكوني، للحظة واحدة قبل أن يحرق بهاؤه بصري. وفي تلك اللحظة، عرفت أنني قد رأيت بالفعل المصدر الفعلي لجميع الضوء والحياة والعقل الكوني، ومصدر الكثير جدا مما لم أكن قد حظيت بمعرفته بعد.
غير أن هذه الصورة، هذا الرمز الذي تخيله عقلي الكوني تحت وطأة الخبرة التي لا يمكن تصورها، قد تعطلت وتحولت في أثناء فعل التصور نفسه، ولقد كانت غير ملائمة للغاية مقارنة بحقيقة الخبرة. وإذ استدعيت في عماي لحظة الرؤية، وجدتني الآن أتخيل أن النجم الذي كان هو صانع النجوم، والمركز الجوهري للوجود بأكمله، قد بدا أنه ينظر إلي أنا مخلوقه، من عليائه اللامتناهي، وأنني حين رأيته نشرت أجنحة روحي الهزيلة على الفور وحلقت إليه، فما كان إلا أن عميت واحترقت وصعقت. كان قد بدا لي في لحظة الرؤية، أن جميع اشتياق الأرواح المتناهية وأملها في الاتحاد مع الروح اللامتناهية كان يمنح أجنحتي القوة. بدا لي أن صانع النجوم، صانعي، لا بد أن يتقدم لكي يلتقي بي ويرفعني إليه ويشملني في بهائه. لقد بدا لي أنني، روح العديد من العوالم وزهرة الكثير جدا من العصور، كنت الكنيسة الكونية، والتي صارت تليق أخيرا بأن تكون عروس الإله. غير أنني بدلا من ذلك قد عميت وحرقت وصعقت بالنور الرهيب.
لم يكن البريق المادي فقط هو الذي صعقني في تلك اللحظة الأسمى من حياتي. في تلك اللحظة، خمنت أي حالات الروح اللامتناهية هي التي صنعت الكون في حقيقة الأمر وظلت تدعمه باستمرار، مع مراقبة نموه المؤلم. وقد كان ذلك الاكتشاف هو ما صعقني.
إنني لم أقابل بالحب العطوف المرحب، بل بروح مختلفة للغاية. وفورا أدركت أن صانع النجوم لم يصنعني لأكون عروسه ولا حتى طفله العزيز، وإنما لغاية أخرى.
ناپیژندل شوی مخ