صندوق لا یتسع لاحلام
صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
ژانرونه
تداعبني كلماتهم الساخرة، أشعر بها أكثر صدقا، ترمي عني ثقل الزينة والرطوبة. يحاولون إغرائي بما يملكون؛ كلمة، وسيجارة رخيصة السعر؛ فيأمرني رجلي بالرفض بحركة عنيفة من رأسه، وحينما ييئسون، يتحلقون على جانب الطريق، ويطلقون العنان لنكاتهم وضحكاتهم المجلجلة.
ألمح آخر يأتي على بعد أمتار، يتلفت يمينا ويسارا، وحينما لا يجد غيري تمتعض ملامحه، وحينما يهم بالرحيل يسارع إليه رجلي، يفاوضه ويتودد له، ويطن في أذنه، ويرسل إلي نظرات تستحثني على استعراض إمكاناتي. وحينما أهم بالتبختر، تستوقفني تلك الضحكات المتناثرة على جانب الطريق، طليقة وحرة، تذكرني بضحكتي المسحولة كذبا وادعاء. أراهما يحثان السير تجاهي، فأخلع هذا الكعب العالي وأسرع إلى الدراجة البخارية التي لا تلبث أن تطير بي. ننطلق تحت نظرات الرجلين اللاعنة، وأستنشق بسعادة أول نسمة في هذه الليلة الرطبة، رغم يقيني من عقابي المنتظر.
نداء إلكتروني
المكان يعج بالبشر من كل الأطياف كلوحة فسيفساء، وينافس أكثر الأمكنة ارتفاعا في معدل كثافتها السكانية. أتململ في جلستي ممتعضا، أهش عني أفكاري الشريرة التي تحاول تلطيف أجواء الاختناق التي لا تناسب أجواء مارس الربيعية .
ككل تلك الآلات التي تقتحمنا فتحيلنا أجزاء معطبة بجانبها، صرنا في تلك القاعة الصغيرة مجرد «عيون وآذان» ترضخ لهذا النداء الإلكتروني، وتتلفت بلهفة وغيرة لصاحب الرقم المحظوظ.
بمجرد دخول رقم إضافي للقاعة، وكطقس نعتاده للتعارف ولقتل الوقت، نبدأ في تبادل النظرات، وكأنه يحصي المنتظرين. تلتقط عيناه الرقم الوامض على الشاشة الإلكترونية، فتأتيه «الضربة القاضية» ل «فارق النقاط»، ثم يجر قدميه لينضم إلى كومة الأرقام على مقاعد الانتظار.
يرتفع معدل التأففات، والاعتراضات المكتومة مع اتساع الهوة بين حجم الأرقام المتململة، وحركة الأرقام المضاءة البطيئة كسلحفاة. يغريني الوقت، فيطل هذا الفضولي من رأسي، يحتك بأسرار الهواتف النقالة المفتوحة على مصاريعها، ويقتات على ما يصله من أحاديث جانبية وثرثرات أثيرية يقتل بها الجميع مللهم.
ترصد عيني الأحذية، وقامات أصحابها المتباينة، ما بين الأحذية الرياضية ذات العلامات التجارية المشهورة، والأخرى «المضروبة» المقلدة، والجامعي بحذائه «البانص» متحررا من جوربيه، حسب آخر نداءات الموضة، وذات الحذاء الأحمر الناري بكعبه الحاد كطباعها البادية في تأففها وعبارات اعتراضها المتكررة، وتلك المتخففة من أحمالها فاكتفت بالصندل. أتذكر مقولة قرأتها في مجلة للموضة: «الحذاء علامة لفك رموز الشخصية.»
أتعوذ من شيطاني، وأحاول تهدئته ببعثرة محتويات هاتفي النقال، فتقطع محاولاتي تلك الثرثارة بجانبي التي لم تفطن لأني غير معنية بمشكلات مديرها في العمل، وراتبه، وحوافزه التي ترويها هاتفيا، فيما يتحول مقعدي تحت وطأة اهتزاز ساقيها إلى أرجوحة تصيبني بدوار.
يختال أحد الأرقام، يدخل متكئا على استمارة إيداع، ومفاتيح فضية لسيارته الألمانية، تتعثر به تلك السيدة الريفية التي تعاود النظر في ورقتها والرقم المضاء على الشاشة. «باقي رقمين»؛ هكذا تمني نفسها بفرج الحال، فلا تنتبه لخطوه المتباهي.
ناپیژندل شوی مخ